(عَنْ مَعقِل بن يَسَارِ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَ:"إِنِّي أَصَبْتُ" أي صادفت (امْرَأَةً، ذَاتَ حَسَبٍ) بفتحتين: أي صاحبة شرف، وفضيلة من جهة الآباء، أو حسنة الأفعَال، والخصال (وَمَنْصِبٍ) بفتح الميم، وكسر الصاد المهملة: أي قدر بين الناس. قال الفيّوميّ: يقال: لفلان مَنصِبٌ، وزان مسجد: أي علو ورِفعةٌ، وفلانٌ له منصب صدقٍ: يراد به المنبت، والْمَحتِدُ، وامرأةٌ ذات منصب، قيل: ذات حَسَب وجمال. وقيل: ذات جمال، فإن الجمال وحده عُلُوّ لها ورفعةٌ. انتهى.
(إِلاَّ أَنَّهَا لَا تَلِدُ) لعله علم ذلك بكونها لا تحيض، أو بأنها كانت عند زوج آخر، فلم تلد (أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟، فَنَهَاهُ) - صلى اللَّه عليه وسلم - عن زواجها (ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ) أي فطلب منه زواجها (فَنَهَاهُ) أيضًا (ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ) أي التي تكثر ولادتها (الْوَدُودَ) أي التي تحبّ زوجها كثيرًا. قال القاري: وقيّد بهذين القيدين؛ لأن الولود إذا لم تكن وَدُودًا لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودًا لم يحصل المطلوب، وهو تكثير الأمّة بكثرة التوالد. وُيعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهنّ؛ إذ الغالب سراية طباع الأقارب، بعضهنّ إلى بعض. ويحتمل -واللَّه أعلم- أن يكون معنى تزوّجوا اثبُتُوا على زواجها، وبقاء نكاحها، إذا كانت موصوفة بهذين الوصفين انتهى. (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الثاني بعيد جدًّا عن مقصود الحديث، يبعده أن الرجل الذي في هذا الحديث إنما جاء إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ليستشيره في امرأة أراد أن يتزوّجها، فنهاه عن ذلك، وراجعه في ذلك مراراً، فنهاه، ثم قال:"تزوّجوا الخ"، فدلّ على أن المراد بقوله:"تزوّجوا" إنشاء النكاح، لا إدامة نكاح سابقٍ، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.
(فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) الفاء للتعليل؛ أي لأني مكاثر، أي مفاخر بسبب كثرتكم الأنبياء يوم القيامة، كما جاء في رواية ابن حبّان في "صحيحه" رقم ٤٠٢٨ - من حديث أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه -، قال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول:"تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة". وفي حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: " تزوّجوا، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا