(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو مشروعيّة عرض المرأة نفسها على من ترضاه من أهل الصلاح. (ومنها): أن مثل هذا ليس بقلّة حياء شرعًا، وإن كان في عادة الناس يستحيى منه؛ لأن ذلك يعود على المرأة بالنفع الدنيويّ والأخرويّ. (ومنها): الحرص، وشدّة الرغبة في نيل شرف الدنيا والآخرة، وأن ذلك مما يستحسنه الشرع الشريف، والعقل، لا ما يزعم بعض الناس، ويتخيله بأن ذلك مما يُخلّ بالمروءة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٣٢٥١ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ, عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَضَحِكَتِ ابْنَةُ أَنَسٍ, فَقَالَتْ: مَا كَانَ أَقَلَّ حَيَاءَهَا؟ , فَقَالَ أَنَسٌ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ, عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -").
رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح،
والسند من الرباعيات، كسابقه، وهو (١٦٢) من رباعيات الكتاب، والحديث أخرجه البخاريّ، وقد سبق شرحه، وبيان مسائله في الحديث الذي قبله.
وقولها: "ما كان أقلَّ حياءها؟ " "أقلّ" فعل ماض متعدّ، قال في "القاموس": أقلّه: جعله قليلاً، كقلّله، و"ما" تعجّبيّةٌ مبتدأ، و"كان" زائدةٌ، والضمير الفاعل يعود لـ"ما"، وفي"حياءها" بالنصب مفعول به لـ"أقلّ"، والجملة خبر المبتدإ. والمعنى: أيُّ شيء جعل حياءها قليلاً، ومقصودها التعجّب من قلّة حيائها، حيث عرضت نفسها على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأن العادة أن المرأة تستحيي من أن تعرِضَ نفسها للرجال.
وفي رواية البخاريّ: "فقالت: بنت أنس: ما أقلّ حياءها، وا سوأتاه، قال: هي خير منك، رغِبت في النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فعرضت نفسها عليه". وقولها: "وا سوأتاه" أصل السَّوْأَة - بفتح السين المهملة، وسكون الواو، بعدها همزة- الفَعْلة القبيحة، وتُطلق على الفرج، والمراد هنا الأول، والألف للندبة، والهاء للسكت. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".