حسن- قال: وروى عن محمد بن المنكدر، عن جابر حديث الاستخارة، وليس أحدٌ يرويه غيره، وهو منكر، وأهل المدينة إذا كان الحديث غلطًا يقولون: ابن المنكدر، عن جابر، كما أن أهل البصرة يقولون: ثابتٌ عن أنس، يحملون عليهما.
وقد استشكل الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ" هذا الكلامَ، وقال: ما عرفتُ المراد به، فإن ابن المنكدر، وثابتًا ثقتان، متّفقٌ عليهما.
قال الحافظ: يظهر لي أن مرادهم التهكّم، والنكتة في اختصاص الترجمة للشهرة والكثر.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي فسّر به الحافظ كلام الإمام أحمد غير واضح، وأحسن تفسير لكلامه، وأوضحه ما ذكره الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذيّ"، ونصّه:
ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيّىء الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضرب، فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أُتِيَ من جهة من روى عنه من هؤلاء. ذكره هذا المعنى ابن عديّ وغيره.
ولما اشتهر رواية ابن المنكدر عن جابر، ورواية ثابت، عن أنس صار كلّ ضعيف، وسيء الحفظ إذا روى حديثًا عن ابن المنكدر يجعله عن جابر، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وإن رواه عن ثابت، جعله عن أنس، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. هذا معنى كلام الإمام أحمد، واللَّه أعلم. انتهى (١).
ونظمت ذلك في "ألفيّة العلل" بقولي:
وَقَالَ أَحْمَدُ ذَوُو الْمَدِينَةِ … غَلَطُهُم يُعْزَى لَدَى الرِّوَايَةِ
لِوَلَدِ الْمُنكَدِرِ الرِّاوِيَةِ … لِجَابِرٍ كَذَاكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ
يَعْرُونَهُ لِثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ … فَلْتَعلَمَنْ بِالضَّابِطِ الْمُؤَسَّسِ
تَفْسِيرُهُ كونُ الطَّرِيقِ اشْتَهَرَا … فِي البَلْدَتَيْنِ عَنْ كِلَيْهِمَا جَرَى
فَمَا رَوَوْا لِوَلَدِ الْمُنكَدِرِ … يَعْزُونَهُ بِحُمْقِهِمْ لِجَابِرِ
كَذَاكَ مَا عَنْ ثَابِتٍ قَدْ نَقَلُوا … لأَنَسٍ عَزَوْهُ فَافْهَمْ يَا فُلُ
قال: ثم ساق ابن عديّ لعبد الرحمن أحاديث، وقال: هو مستقيم الحديث، والذي
(١) - "شرح علل الترمذيّ" ٢/ ٦٩٣ - ٦٩٤ بتحقيق الدكتور همام عبد الرحيم سعيد.