وقال في "الفتح" بعد ما ذكر قول من قال: لا يقال: بني بأهله: ما نصّه: ولا معنى لهذا التغليط؛ لكثرة استعمال الفصحاء له، وحسبك بقول عائشة:"بني بي"، وبقول عروة في آخر الحديث:"وبنى بها". انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فثبت بما ذُكر أن "بني بها" لغة عربيّة، فصيحة؛ لورودها في الشعر العربيّ، وفي كلام الفصحاء، كعائشة، وعروة، وغيرهم، وأثبتها من اللغويين ابن دُريد، وابن جنّي، فلا يصحّ دعوى أنها لغة عامية، فتبصّر، ولا تتحيّر. واللَّه تعالى أعلم.
(وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ) وفي رواية البخاريّ من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال:"تُوفّيت خديجة قبل مخرج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين، أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة، وهي بنت ستّ سنين، ثم بنى بها، وهي بنت تسع سنين".
فقال في "الفتح": فيه إشكال؛ لأن ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها إلا بعد قدومه المدينة بسنتين، ونحو ذلك؛ لأن قوله:"فلبث سنتين، أو نحو ذلك"، أي بعد موت خديجة. وقوله:"ونكح عائشة"، أي عقد عليها لقوله بعد ذلك:"وبنى بها، وهي بنت تسع"، فيخرج من ذلك أنه بني بعد قدومه بسنتين، وليس كذلك؛ لأنه وقع عند المصنّف -البخاريّ- في "النكاح" من رواية الثوريّ، عن هشام بن عروة في هذا الحديث "ومكثت عنده تسعًا"، وسيأتي ما قيل: من إدراج النكاح في هذه الطريق، وهو في الجملة صحيح، فإن عند مسلم من حديث الزهريّ، عن عروة، عن عائشة في هذا الحديث: وزُفّت إليه، وهي بنت تسع، ولُعْبَتها معها، ومات عنها، وهي بنت ثمان عشرة". وله من طريق الأسود، عن عائشة نحوه. ومن طريق عبد اللَّه بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "تزوّجني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في شوّال، وبنى بي في شوّال"، فعلى هذا فقوله: "فلبث سنتين، أو قريبًا من ذلك"، أي لم يدخل على أحد من النساء، ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل أن يُهاجر، ثم بني بعائشة بعد أن هاجر، فكأنّ ذكر سودة سقط على بعض رواته.
وقد روى أحمد، والطبرانيّ بإسناد حسن، عن عائشة، قالت: "لما تُوفّيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون: يا رسول اللَّه ألا تَزَوّج؟ قال: نعم، فما عندكِ؟ قالت: بكر وثيّب، البكر بنت أحبّ خلق اللَّه إليك عائشة، والثيّب سودة بنت