للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موته، والآخر في حياته.

وقال ابن المرابط: حديث عمّ حفصة قبل حديث عمّ عائشة، وهما متعارضان في الظاهر، لا في المعنى؛ لأن عمّ حفصة أرضعته المرأة مع عمر، فالرضاعة فيهما من قبل المرأة، وعمّ عائشة إنما هو من قبل الفحل، كانت امرأة أبي القعيس أرضعتها، فجاء أخوه يستأذن عليها، فأبت، فأخبرها الشارع أن لبن الفحل يُحّرم، كما يُحرّم من قبل المرأة انتهى.

فكأنه جوّز أن يكون عمّ عائشة الذي سألت عنه في قصّة عمّ حفصة كان نظير عمّ حفصة في ذلك، فلذلك سألت ثانيًا في قصّة أبي القعيس. وهذا إن كان وجده منقولًا، فلا مَحِيد عنه، وإلا فهو محملٌ حسنٌ. واللَّه تعالى أعلم. قاله في "الفتح" (١).

(لِعَمِّهَا) تقدّم معنى هذه اللام هذِه قريبًا (مِنَ الرَّضَاعَةِ، دَخَلَ عَلَيَّ؟) جواب "لو"

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ ما يُحَرَّمُ مِنَ الوِلادَةِ") أي وتبيح ما تبيحه، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه، وانتشار الحرمة بين الرضيع، وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر، والخلوة، والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة، من التوارث، ووجوب الإنفاق، والعتق بالملك، والشهادة، والعقل، وإسقاط القصاص. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متّفق عليه، وقد تقدّم تمام شرحه، وبيان مسائله قبل بابين، فلنذكر هنا ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فنقول:

[مسالة]: في اختلاف أهل العلم في لبن الفحل:

ذهب الجمهور إلى أن لبن الفحل يُحَرِّمُ، قال ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: وممن قال بتحريمه: عليّ، وابن عباس، وعطاء، وطاوسٌ، ومجاهد، والحسن، والشعبيّ، والقاسم، وعروة، ومالكٌ، والثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو عُبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. قال ابن عبد البرّ: وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، وجماعة أهل الحديث.

ورخّص في لبن الفحل سعيد بن المسيّب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعيّ، وأبو قلابة، وُيروى ذلك عن ابن الزبير، وجماعة من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - غير مُسَمِّينَ؛ لأن الرضاع من المرأة، لا من الرجل. انتهى (٢).


(١) ١٠/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) "المغني" ٩/ ٥٢١.