قال: وفي ذلك خلاف متأخّر، قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل، ومالك، وابن شبرمة، والليث: لا يجوز أن يكون عتق الأمة صداقها، قال أبو حنيفة، وزفر، ومحمد، ومالك: إن فعل فلها عليه مهر مثلها، وهي حرّة، ثم اختلفوا إن أبت أن تتزوّجه، فقال أبو حنيفة، ومحمد: تسعى له في قيمتها، وقال مالك، وزفر: لا شيء عليها. ثم ذكر ابن حزم أدلّة الفريقين، وأطال في ذلك، فأجاد، وأفاد (١).
قال في "الفتح" بعد أذكر ما تمسّك به الأولون: ما حاصله: وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة:
أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوّجها، فوجبت له عليها قيمتها، وكانت معلومة، فتزوّجها بها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قال الحافظ: إنه أقرب إلى لفظ الحديث، فيه نظر، بل هو بعيد، ولا يخفى بعده على من تأمله.
قال: ويؤيّده قوله في رواية عبد العزيز بن صُهيب:، "سمعت أنسًا قال: سبى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - صفيّةَ، فأعتقها، وتزوّجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: نفسها، فأعتقها". هكذا أخرجه البخاريّ في "المغازي". وفي رواية حمّاد، عن ثابت، وعبد العزيز، عن أنس في حديث:"قال: وصارت صفيّة لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم تزوّجها، وجعل عتقها صداقها، فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد، أنت سألت أنسًا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسّم"، فهو ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق، فالتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة، فإن في صحّة العقد بالشرط المذكور وجهًا عند الشافعيّة.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا ظاهر في تأييد ما قاله المجيزون، لا ما قاله المانعون، فتأمّل.
قال: وقال آخرون: قوله: "أعتقها، وتزوّجها" معناه أعتقها، ثم تزوّجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقًا، قال: أصدقها نفسها، أي لم يُصدقها شيئًا فيما أَعلَمُ، ولم يَنف أصل الصداق، ومن ثمّ قال أبو الطيّب الطبريّ من الشافعيّة، وابن المرابط من المالكيّة، ومن تبعهما: إنه قول أنس، قاله ظنًّا من قبل نفسه، ولم يرفعه.
وربّما تأيّد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقيّ من حديث أُميمة -ويقال: أمة اللَّه- بنت