للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للعدل في الظاهر حتى يُؤَمَّنَ به من يَخَاف عدمه، بل قد يكون النكاح سببًا للجور للحاجة إلى الأموال (عَنْ قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنْ خِفْتُمْ}) شرطٌ، وجوابه قوله: {فَاَنكِحُوا}. أي إن خفتم أن لا تعدِلُوا في مهورهنّ، وفي النفقة عليهنّ، فانكحوا غيرهنّ من النساء.

قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ: "خفتم" من الأضداد، فإنه يكون المخوف منه معلوم الوقوع، وقد يكون مظنونًا، فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف، فقال أبو عبيدة: "خفتم" بمعنى أيقنتم. وقال آخرون: "خفتم" ظننتم، قال ابن عطيّة: وهذا الذي اختاره الْحُذّاق، وأنه على بابه من الظن، لا من اليقين، التقدير: من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة، فليعدل عنها انتهى (١) (أَلاَّ تُقْسِطُوا) أي تعدلوا، يقال: أقسط الرجل: إذا عدل، وقَسَط إذا جار، وظلم صاحبه، قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: ١٥] يعني الجائرين (فِي الْيَتَامَى) قال النسفيّ: يقال للإناث: اليتامى، كما يقال: للذكور، وهو جمع يتيمة، ويتيم، وأما أيتام فجمع يتيم، لا غير انتهى (٢).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ في "المفهم": اليتيم في بني آدم من قِبَل فَقْد الأب، وفي غيرهم من قِبَل فقد الأمّ وأصل اليتيم أن يقال: على من لم يبلُغ، وقد أُطلق في هذه الآية على المحجور عليها، صغيرةً كانت، أو كبيرةً؛ استصحابًا لإطلاق اسم اليتيم لبقاء الحجر عليها. وإنما قلنا: إن اليتيمة الكبيرة قد دخلت في الآية؛ لأنها قد أُبيح العقد عليها في الآية، ولا تُنكح اليتيمة الصغيرة، إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها، لكن بإذنها، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما خرّجه الدارقطنيّ وغيره في بنت عثمان بن مظعون، "وإنها يتيمة، ولا تُنكح إلا بإذنها"، وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة، فإنه قال: إذا بلغت لم تحتج إلى وليّ، بناء على أصله في عدم اشتراط الوليّ في صحّة النكاح انتهى (٣).

{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ: إن قيل: كيف جاءت "ما" للآدميين، وإنما أصلها لما لا يعقِلُ، فعنه أجوبة خمسة:

[الأول]: أن "من" و"ما" قد يتعاقبان، قال اللَّه تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أي ومن بناها، وقال: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} فـ"ما" ههنا لمن يعقل، وهنّ النساء؛ لقوله بعد ذلك، مبيّنًا لمبهم "ما"، وقرأ ابن أبي


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ١١ - ١٢.
(٢) "تفسير النسفي" ١/ ٢٠٥.
(٣) "المفهم" ٧/ ٣٢٦.