للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو العبّاس القرطبيّ (١) -رحمه اللَّه تعالى- في "المفهم ": اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية وفي معناها، فذهبت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - إلى ما ذُكر في هذه الرواية، وحاصل الروايات المذكورة عنها: أنها نزلت في وليّ اليتيمة التي لها مالٌ، فأراد وليّها أن يتزوّجها، فأُمر بأن يوفّيها صداق أمثالها، أو يكون لها مالٌ عنده بمشاركة، أو غيرها، وهو لا حاجة له لتزويجها لنفسه، ويكره أن يزوّجها غيره مخافة أخذ مالها من عنده، فأَمَر اللَّه الأولياء بالقسط، وهو العدل، بحيث إن تزوّجها بَذَلَ لها مهر مثلها، وإن لم تكن له رغبةٌ فيها زوّجها من غيره، وأوصلها إلى مالها على الوجه المشروع.

وتكميل معنى الآية: أن اللَّه تعالى قال للأولياء: إن خفتم ألا تقوموا بالعدل، فتزوّجوا غيرهنّ، ممن طاب لكم من النساء، اثنين اثنين، إن شئتم، وثلاثًا ثلاثًا لمن شاء، وأربعًا أربعًا لمن شاء. هذا قول عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - في الآية.

وقال ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - في معنى الآية: إنه قصر الرجال على أربع؛ لأجل أموال اليتامى، فنزلت جوابًا لتحرّجهم عن القيام بإصلاح أموال اليتامى. وفسّر عكرمة قول ابن عبّاس هذا بألاّ تُكثروا من النساء، فتحتاجوا إلى أخذ أموال اليتامى. وقال السّدّيّ، وقتادة: معنى الآية: إن خفتم الجورَ في أموال اليتامى، فخافوا مثله في النساء، فإنهنّ كاليتامى في الضعف، فلا تنكحوا أكثر مما يُمكنم إمساكهنّ بالمعروف.

قال القرطبيّ: وأقرب هذه الأقوال، وأصحّها قول عائشة -إن شاء اللَّه تعالى-.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا صححه القرطبيّ هو الأرجح عندي. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقد اتفق كلّ من يُعاني العلوم على أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يَخَف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة: اثنين، أو ثلاثًا، أو أربعًا، كمن خاف. فدلّ ذلك على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف، وأن حكمها أعمّ من ذلك انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم


(١) أبو العباس القرطبيّ هو أحمد بن عمر بن إبراهيم ٥٧٨ - ٦٥٦هـ وهو صاحب كتاب "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم". وأما أبو عبد اللَّه القرطبيّ، فهو محمد بن أحمد الأنصاريّ المتوفى سنة ٦٧١ هـ وهو صاحب التفسير المشهور المسمى "الجامع لأحكام القرآن"، وهو تلميذ لأبي العباس.
(٢) "المفهم" ٧/ ٣٢٩ - ٣٣٠.