للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إباحة تسع، كما قاله مَن بَعُد فهمه للكتاب والسنّة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعةٌ، وعَضَدَ ذلك بأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نكح تسعًا، وجمع بينهنّ في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة الرافضة، وبعض أهل الظاهر (١)، فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثُلاث، ورباع. وذهب بعض أهل الظاهر أيضًا إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة (٢)، تمسّكًا منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار، والواو للجمع، فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين، وكذلك ثُلاث، ورُباع. وهذا كله جهلٌ باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة؛ إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة، ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع.

وأخرج مالك في "موطّئه"، والنسائيّ، والدارقطنيّ في "سننهما" أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لغيلان بن سلمة الثقفيّ، وقد أسلم، وتحته عشر نسوة: "اختر منهنّ أربعًا، وفارق سائرهنّ" (٣). وفي "كتاب أبي داود" عن الحارث بن قيس، قال: أسلمتُ، وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "اختر منهنّ أربعًا".

وقال مقاتل: إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر، فلما نزلت هذه الآية، أمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يُطلّق أربعًا، وُيمسك أربعًا. كذا قال: "قيس بن الحارث"، والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسديّ، كما ذكره أبو داود. وكذا روى محمد ابن الحسن في "كتاب السير الكبير" أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء. وأما ما أُبيح للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فذلك من خصوصيّاته.

وأما قولهم: إن الواو جامعةٌ، فقد قيل: ذلك، لكن اللَّه تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تَدَعُ أن تقول: تسعة، وتقول: اثنين، وثلاثة، وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول: أعط فلانًا أربعة ستة ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر، وإنما الواو في هذا الموضع بدل، أي انكحوا ثُلاثَ بدلًا من مثنى، ورباع بدلًا من ثُلاث، ولذلك عطف بالواو، ولم يُعطف بـ "أو"، ولو جاء بـ"أو" لجاز أن لا يكون لصاحب مثنى ثلاث، ولصاحب ثلاث رباع.

وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اثنين، وثلاث ثلاثة، ورُباع أربعة، فتحكّم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه، وجهالةٌ منهم، وكذلك جَهِلَ الآخرون بأن مثنى تقتضي اثنين اثنين، وثُلاث ثلاثة ثلاثة، ورباع أربعة أربعة، ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثًا،


(١) هذا غير صحيح، فإن الظاهرية لا يخالفون الجمهور في ذلك، كما سيأتي قريبًا.
(٢) فيه ما في سابقه.
(٣) سيأتي أن حديث قصّة غيلان صحيح.