للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تكون بعد الدخول. قال في "الفتح": ولا دلة فيه، وإنما فيه أنها تُستدرك إذا فأتت بعد الدخول، هكذا قال في "الفتح"، وفيه نظر لا يخفى، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): أن أقلّ ما يجزئ الموسر في اليمة شاة. قال في "الفتح": ولولا ثبوت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أولم على بعض نسائه بأقلّ من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقلّ ما تُجزىء في الوليمة، ومع ذلك فلا بدّ من تقييده بالقادر عليها، وأيضًا فيعكُر على الاستدلال أنه خطاب واحد، وفيه اختلافٌ، هل يستلزم العموم أولًا، وقد أشار إلى ذلك الشافعيّ فيما نقله البيهقيّ عنه، قال: لا أعلمه أمر بذلك غير عبد الرحمن، ولا أعلمه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ترك الوليمة، فجعل ذلك مستندًا في كون الوليمة ليست بحتم. انتهى (١).

(ومنها): أنه يُستفاد من السياق طلب تكثير الوليمة لمن يَقدر. قال عياضٌ: وأجمعوا على أن لا حدّ لأكثرها، وأما أقلّها فكذلك، ومهما تيسّر أجزأ، والمستحبّ أنها على قدر حال الزوج، وقد تيسّر على الموسر الشاة، فما فوقها. (ومنها): أنه يدلّ على أن النكاح لا بدّ فيه من صداق؛ لاستفهامه على الكمّية، ولم يقل: هل أصدقتها، أم لا؟ ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقديرٍ؛ لإطلاق لفظة "كم" الموضوعة للتقدير، كذا قال بعض المالكيّة. قال الحافظ: وفيه نظر؛ لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة، أو القلّة، فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله، فلما قال له القدر، لم يُنكر عليه، بل أقرّه (٢). (ومنها): أنه استُدلّ به على استحباب تقليل الصداق؛ لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وقد أقرّه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على إصداقه وزن نواة من ذهب.

وتُعُقّب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة، وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهر منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر، وذلك ببركة دعاء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -له. (ومنها): أنه استُدلّ بقصّة عبد الرحمن مع سعد بن الربيع على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوّج بها، إذا طلّقها زوجها، وأوفت العدّةَ؛ لقول سعد بن الربيع: "انظر أيّ زوجتيّ أعجب إليك حتى أطلّقها، فإذا انقضت عدّتها تزوّجتها"، ووقع تقرير ذلك، ويعكر على هذا أنه لم يُنقل أن المرأة علمت بذلك، ولا سيّما ولم يقع تعيينها، لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضي أنهما علمتا معًا؛ لأن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب، فكانوا يجتمعون، ولولا وثوق سعد بن الربيع من كلّ منهما بالرضا ما جزم بذلك.


(١) "فتح" ١٠/ ٢٩٣ - ٢٩٤.
(٢) "فتح ١٠/ ٢٩٥.