للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بن العاص - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَالَ: "أيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ) بالبناء للمفعول (عَلَى صَدَاقٍ) بفتح الصاد المهملة، وكسرها: أي مهر معيّن (أَوْ حِبَاءٍ) بكسر المهملة، والمدّ: أي عطيّة، وهو ما يعطيه الزوج، سوى الصداق بطريق الهبة (أَوْ عِدَةٍ) بكسر العين المهملة: ما يعده الزوج أن يعطيه في المستقبل (قَبْلَ عِصمَةِ النِّكَاح) أي قبل عقد النكاح، والعصمة ما يُعتصم به، من عقد، وسبب (فَهُوَ لَهَا) أي للزوجة (وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ) أي بعد عقد النكاح (فَهُوَ لِمَنْ أَعْطَاهُ) أي لمن أعطاه الزوج، من أولياء الزوجة. وفي نسخة: "لمن أعطيه". والمعنى: أن ما يقبضه الوليّ من الزوج قبل العقد، فهو للمرأة، وما يقبضه بعده، فهو للوليّ.

قال الخطّابيّ: هذا يُتَأَوّلُ على ما يشترطه الوليّ لنفسه، سوى المهر. وقد اختلف الناس في وجوبه، فقال سفيان الثوريّ، ومالك بن أنس في الرجل يَنكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا شيئًا، اتفقا عليه سوى المهر: إن ذلك كله للمرأة، دون الأب، وكذلك روي عن عطاء، وطاوس. وقال أحمد: هو للأب، ولا يكون ذلك لغيره من الأولياء؛ لأن يد الأب مبسوطةٌ في مال الولد. وروي عن عليّ بن الحسين أنه زوّج ابنته رجلًا، واشترط لنفسه مالًا. وعن مسروق أنه زوّج ابنته رجلًا، واشترط لنفسه عشرة آلاف درهم، يجعلها في الحجّ والمساكين. وقال الشافعيّ: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل، ولا شيء للوليّ. انتهى (١).

(وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتُهُ، أَوْ أُخْتُهُ) فيه دليلٌ على مشروعية صلة أقارب الزوجة، وإكرامهم، والإحسان إليهم، وأن ذلك حلالٌ لهم، وليس من قبيل الرسوم المحرمة، إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به، فيكون من العَضْل المحرّم.

والحاصل أن إكرام الشخص بسبب بنته، أو أخته بدفع مال إليه جائزٌ، وكذلك اشتراطه هو لنفسه، بشرط أن لا يؤدّي ذلك إلى أن يمتنع من تزويجها إلا به، فلا يجوز؛ للنهي عن العضل. واللَّه تعالى أعلم.

وقوله (اللَفْظُ لِعَبْدِ اللَّهِ) يعني أن لفظ المتن الذي ساقه، فإنه لشيخه عبد اللَّه بن محمد ابن تميم، وأما شيخه هلال بن العلاء، فرواه بمعناه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "معالم السنن" ٣/ ٥٩.