أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, قَالَ: وَذَلِكَ بِسَمْعِ أُنَاسٍ, مِنْ أَشْجَعَ, فَقَامُوا, فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَضَيْتَ, بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فِي امْرَأَةٍ مِنَّا, يُقَالُ لَهَا: بِرْوَعُ بِنْتُ وَاشِقٍ, قَالَ: فَمَا رُئِيَ عَبْدُ اللَّهِ, فَرِحَ فَرْحَةً يَوْمَئِذٍ, إِلاَّ بِإِسْلَامِهِ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. والسند مسلسلٌ بثقات الكوفيين، غير شيخه، فمروزيّ ثقة حافظ، وفيه ثلاثة من التابعين، يروي بعضهم، عن بعض: داود، والشعبيّ، وعلقمة.
وقوله: "ولم يجمعها إليه" بفتح حرف المضارعة، أي لم يضمّ تلك المرأة إلى نفسه، بمعنى أنه لم يجامعها.
وقوله: "ما سُئلت" بالبناء للمفعول.
وقوله: "من جلّة" بكسر الجيم، وتشديد اللام، جمع جليل، قال في "القاموس": وقومٌ جِلَةٌ بالكسر: عُظَماءُ، سادَةٌ، ذَوُو أخطارٍ انتهى.
وقوله: "بجهد رأيي". قال الفيّوميّ: الجُهْد بالضمّ في الحجاز، وبالفتح في غيرهم: الوسع، والطاقة. وقيل: المضموم: الطاقة، والمفتوح المشقّة. والْجَهْدُ بالفتح لا غيرُ: النهاية، والغاية، وهو مصدرٌ، من جَهَد، من باب نَفَعَ: إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب، وجهده الأمر، والمرضُ أيضًا: إذا بلغ منه المشقّةَ. انتهى.
ومقصود ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - أنه سيبذل جهده في التفكير، والتنقيب في المسألة حتى يتوصّل إلى معرفتها حسب طاقته. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "فمن اللَّه" أي من توفيقه -عَزَّ وَجَلَّ-. وقوله: "فمنّي، ومن الشيطان" أي من قصوري، وتقصيري، ومن تسويل الشيطان، وتلبيسه عليّ وجهَ الحقّ. وقوله: "بُرَآء" بضمّ الباء الموحدة، وتخفيف الراء، بوزن كُرماء، جمع بريء، وإنما جمعه للتعظيم، أو لأن أقلّ الجمع اثنان. ووقع في النسخة "الهندية": "بَرَاءٌ -بفتح الموحّدة، على وزن قَفَاء، يقال: بَرِئَ زيدٌ من دَينِه يَبْرَأُ مهموزًا، من باب تعِبَ بَرَاءةً: سقط عنه طلبه، فهو بريء، وبارىء، وبَرَاءٌ بالفتح والمدّ. قاله الفيّوميّ. فعلى هذا فهو مفرد، فيكون خبرًا لـ "اللَّهُ"، وخبر "ورسوله" محذوفٌ. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "أَرَى" بفتح الهمزة مبنيًا للفاعل. وقوله: "بسمع أناس" من إضافة المصدر إلى فاعله. يعني أن قضاء ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - بذلك كان بمكان يسمعه أناس من أشجع. وقوله: "فقالوا: نشهد الخ" تقدّم لنا أنه لا تنافي بينه وبين ما تقدّم من أن رجلًا، أو معقل بن سنان قال ذلك؛ لأنه يُحمل على أنه تكلم، وأنهم وافقوه على ذلك، فنسب إليهم كما نُسب إليه.