[أحدهما]: احتمال أن لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا، وأن المراد بقوله:"منكنّ" المخاطبة، وهي أم سلمة، ومن أرسلها، أو من كان موجودًا حينئذ من النساء. [والثاني]: على تقدير إرادة الدخول، فلا يلزم من ثبوت الخصوصيّةِ بشيءٍ من الفضائل، ثبوت الفضل المطلق، كحديث:"أقرؤكم أُبيّ، وأفرضكم زيد"، ونحو ذلك. (ومنها): أن فيه بيان ورع أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وتقواها، حيث قالت:"أتوب إلى اللَّه من أذاك يا رسول اللَّه"، ولم تتمادى على المخاصمة على مقتضى غيرتها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال في "الفتح": قال السبكيّ الكبير: الذي ندين اللَّه به أن فاطمة أفضل،
ثم خديجة، ثم عائشة، والخلاف شهير، ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع. وقال ابن تيميّة: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة. وكأنّه رأى التوقّف. وقال ابن القيّم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند اللَّه، فذاك أمرٌ لا يُطّلَع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم، فعائشة، لا مَحَالَةَ، وإن أريد شرف (١)، ففاطمة، لا محالة، وهي فضيلة، لا يُشاركها فيها غير أخواتها، وإن أريد شرف السيادة، فقد ثبت النصّ لفاطمة وحدها.
قال الحافظ: امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهنّ متن في حياته، فكُنّ في صحيفته، ومات هو في حياتها، فكان في صحيفتها، قال: وكنت أقول ذلك استنباطًا إلى أن وجدته منصوصًا، قال أبو جعفر الطبريّ في تفسير آل عمران، من التفسير الكبير، من طريق فاطمة بنت الحسين بن عليّ، أن جدّتها فاطمة قال: دخل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يومًا، وأنا عند عائشة، فناجاني، فبكيت، ثم ناجاني، فضحكت، فسألتني عائشة عن ذلك، فقلت: فقد علمت أأخبرك بسرّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فتركتني، فلما توفّي سألت، فقلت: ناجاني … فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقرآن مرّتين، وأنه قال:"أحسب أني ميّتٌ في عامي هذا، وأنه لم تُرزأ امرأةٌ من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهنّ صبرًا، فبكيتُ، فقال: "أنت سيدة نساء أهل الجنّة، إلا مريم"، فضحكت. قال الحافظ: وأصل الحديث في "الصحيح" دون هذه الزيادة.
قال: وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم، فإن لخديجة ما يقابله، وهي أول من أجاب إلى الإسلام، ودعا إليه، وأعان على ثبوته بالنفس والمال، والتوجّه التامّ، فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدر قدر ذلك إلا اللَّه. وقيل: انعقد الإجماع على أفضليّة
(١) هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أنه سقط منه المضاف إليه، وأصله: "شرف النسب"، واللَّه أعلم.