للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عظيمة لها، تسحقّ أن يحتسبها أكثر من غيرها. قال الحافظ وليّ الدين: لكن منقبة خديجة - رضي اللَّه تعالى عنها - في ذلك أعظم، وهي سلام اللَّه تعالى عليها، والمشهور تفضيل خديجة على عائشة - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وهو الصحيح انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أشار بسلام اللَّه تعالى إلى ما أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاريّ من طريق أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: "أتى جبريل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللَّه، هذه خديجة، قد أتت معها إناء، فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ - عليها السلام - من ربها، ومني، وبشرها ببيت في الجنة، من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب". قال السهيليّ: استدلّ بهذه القصّة أبو بكر بن أبي داود على أن خديجة أفضل من عائشة؛ لأن عائشة سلّم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة أبلغها السلام من ربّها. قال الحافظ: ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وصححه الحاكم من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى - عنهما، رفعه: "أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - ". قال السبكي الكبير كما تقدّم: لعائشة من الفضائل ما لا يحصى، ولكن الذي نختاره، وندين اللَّه به أن فاطمة أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة. انتهى (٢).

وقد استنبط بعضهم من هذا الحديث فضل خديجة

(ومنها): استحباب بعث السلام، قال وليّ الدين: قال أصحابنا -يعني الشافعيّة-: ويجب على الرسول تبليغه، فإنه أمانة، ويجب أداء الأمانة. وينبغي أن يقال: إنما يجب عليه ذلك إذا التزم، وقال للمرسل: إني تحمّلت ذلك، وسأبلغه له، فإن لم يلتزم ذلك لم يجب عليه تبليغه، كمن أودع وديعةً، فلم يقبلها. انتهى.

(ومنها): بعث الأجنبيّ السلام إلى الأجنبيّة الصالحة، إذا لم يخف ترتّب مفسدة، وبوب عليه البخاريّ في "صحيحه": "باب تسليم الرجال على النساء". وأخرج الترمذيّ، وحسّنه من حديث أسماء بنت يزيد، قال: "مرّ علينا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في نسوة، فسلّم علينا"، وله شاهد من حديث جابر عند أحمد. وثبت في "صحيح مسلم" حديث أمّ هانئ: "أتيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو يغتسل، فسلّمت عليه". وأما ما أخرجه أبو نعيم في "عمل اليوم والليلة" من حديث واثلة، مرفوعًا: "يسلّم الرجال على النساء، ولا يسلّم النساء على الرجال"، فسنده واهٍ (٣).


(١) "طرح التثريب" ٨/ ١٠٧ - ١٠٨.
(٢) "فتح" ٧/ ٥١٩.
(٣) راجع "الفتح" ١٢/ ١٩٨ - ١٩٩. "كتاب الاستئذان".