للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فردّها، وقال: إذا طهرت فليُطلّق، أو يمسك"، لفظ مسلم، وللنسائيّ، وأبي داود: "فردّها عليّ زاد أبو داود: "ولم يرها شيئًا"، وإسناده على شرط الصحيح، فإن مسلمًا أخرجه من رواية حجاج بن محمد، عن ابن جريج، وساقه على لفظه، ثم أخرجه من رواية أبي عاصم، عنه، وقال: نحو هذه القصّة، ثم أخرجه من رواية عبد الرزّاق، عن ابن جريج، قال: مثل حديث حجاج، وفيه بعض الزيادة، فأشار إلى هذه الزيادة، ولعلّه طوى ذكرها عمدًا. وقد أخرج أحمد الحديث عن رَوح بن عُبادة، عن ابن جريج، فذكرها، فلا يتخيّل انفراد عبد الرزّاق بها. قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلّها على خلاف ما قال أبو الزبير. وقال ابن عبد البرّ: قوله: "ولم يرها شيئًا" منكرٌ، لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه، ولو صحّ فمعناه عندي -واللَّه أعلم-: ولم يرها شيئًا مستقيمًا؛ لكونها لم تقع على السنّة. وقال الخطّابيّ: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثًا منكرًا من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه: ولم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئًا جائزًا في السنّة، ماضيًا في الاختيار، وإن كان لازمًا له مع الكراهة.

ونقل البيهقيّ في "المعرفة" عن الشافعيّ أنه ذكر رواية أبي الزبير، فقال: نافعٌ أثبتُ من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت، قال: وبسط الشافعيّ القول في ذلك، وحمل قوله: "لم يرها شيئًا" على أنه لم يعدّها شيئًا صوابًا غير خطإ، بل يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه؛ لأنه أمره بالمراجعة، ولو كان طلّقها طاهرًا لم يؤمر بذلك، فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله، أو أخطأ في جوابه: لم يصنع شيئًا، أي لم يصنع شيئًا صوابًا.

قال ابن عبد البرّ: واحتجّ بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روي عن الشعبيّ، قال: إذا طلّق الرجل امرأته، وهي حائضٌ لم يعتدّ بها في قول ابن عمر. قال ابن عبد البرّ: وليس معناه ما ذهب إليه، وإنما معناه: لم تعتدّ المرأة بتلك الحيضة في العدّة، كما روي ذلك عنه منصوصَا أنه قال: يقع عليها الطلاق، ولا تعتدّ بتلك الحيضة انتهى.

وقد روى عبد الوهّاب الثقفيّ، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر نحوًا مما نقله ابن عبد البرّ، عن الشعبيّ، أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح، والجواب عنه مثله. وروى سعيد بن منصور من طريق عبد اللَّه بن مالك، عن عمر أنه طلّق امرأته، وهي حائض، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ليس ذلك بشيء"، وهذه متابعات لأبي الزبير، إلا أنها قابلة للتأويل، وهو أولى من إلغاء الصريح في قول ابن عمر: إنها تحتسب عليه