للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رواية أبي الزبير؛ لتصريحها بالرفع، وتُحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث، بعد أن كانوا في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يحتسب عليهم به ثلاثًا، إذا كان بلفظ واحد.

قال الحافظ: وغفل -رَحِمَهُ اللَّهُ- عما ثبت في "صحيح مسلم" من رواية أنس بن سيرين على وفاق ما روى سعيد بن جبير، وفي سياقه ما يُشعر بأنه إنما راجعها في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولفظه: "سألت ابن عمر عن امرأته التي طلّق، فقال: طلّقتها، وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت، فليُطلّقها لطهرها، قال: فراجعتها، ثم طلّقتها لطهرها، قلت: فاعتددت بتلك التطليقة، وهي حائض؟ فقال: ما لي لا أعتدّ بها، وإن كنت عجزت، واستحمقت". وعند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن سالم في حديث الباب: "وكان عبد اللَّه بن عمر طلّقها تطليقة، فحسبت من طلاقها، فراجعها كما أمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "، وله من رواية الزبيديّ، عن ابن شهاب "قال ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلّقتها"، وعند الشافعيّ عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج "أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه، هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فقال: نعم".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فقد أجاد الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في هذا التحرير والتقرير الذي ساقه في هذه المسألة، من الروايات المختلفة فيها، والتوفيق بينها بما ساقه من أقوال أهل العلم، فتبيّن بذلك أن الحقّ ما ذهب إليه الجمهور من وقوع الطلاق في حالة الحيض، مع كونه مخالفًا للسنّة.

ولقد أجاد البحث الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه اللَّه تعالى في كتابه "إرواء الغليل" حيث استوفى معظم الروايات المختلفة لحديث ابن عمر هذا، وتكلّم عليها بكلام مفصّل نفيس جدًّا، ثم قال في آخر بحثه:

فإذا نظر المتأمل في طرق هذين القسمين، وفي ألفاظهما تبيّن له بوضوح لا غُموض فيه أرجحية القسم الأول -يعني الاعتداد بتلك التطليقة- على الآخر -يعني عدم الاعتداد بها- وذلك لوجهين:

(الأول): كثرة الطرق، فإنها ستة: ثلاث منها مرفوعة، وثلاث أخرى موقوفة، واثنان من الثلاث الأولى صحيحةٌ، والأخرى ضعيفة. وأما القسم الآخر، فكلّ طرقه ثلاث: اثنان منها صحيحة أيضًا، والأخرى ضعيفة، فتقابلت المرفوعات في القسمين قوّةً وضعفًا، وبقي في القسم الأول الموقوفات الثلاث فضلة، يترجّح بها على القسم الآخر، لا سيّما وهي في حكم المرفوع؛ لأن معناها أن عبد اللَّه بن عمر عمل بما في