للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآية، وقوله: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}، وغير ذلك.

وقال ابن الجوزيّ: إذا حدّث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ، فإن عزم، وصمّم زاد على حديث النفس، وهو من عمل القلب، قال: والدليل على التفريق بين الهمّ والعزم أن من كان في الصلاة، فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع، فإن صمّم على قطعها بطلت. وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلّة بالمعصية، لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة، إذا لم يعمل المقصود؛ للفرق بين ما هو بالقصد، وبين ما هو بالوسيلة.

وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقسامًا يظهر منها الجواب عن الثاني، أضعفها أن يخطُر له، ثم يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة، وهو معفوّ عنه، وهو دون التردّد. وفوقه أن يتردّد فيه، فيهتم به، ثم ينفر عنه، فيتركه، ثم يهمّ به، ثم يترك كذلك، ولا يستمرّ على قصده، وهذا هو التردّد، فيُعفى عنه أيضًا. وفوقه أن يميل إليه، ولا ينفر منه، بل يُصمّم على فعله، فهذا هو العزم، وهو منتهى الهمّ، وهو على قسمين:

[القسم الأول]: أن يكون من أعمال القلوب صِرْفًا، كالشكّ في الوحدانيّة، أو النبوّة، أو البعث، فهذا كفرٌ، ويُعاقب عليه جزمًا. ودونه المعصية التي لا تَصِلُ إلى الكفر، كمن يُحبّ ما يُبغض اللَّه، وُيبغض ما يُحبّ اللَّه، ويُحبّ للمسلم الأذى بغير موجب لذلك، فهذا يأثم. ويلتحق به الكبر، والعجب، والبغي، والمكر، والحسد، وفي بعض هذا خلاف، فعن الحسن البصريّ أن سوء الظنّ بالمسلم، وحسده معفوّ عنه، وحملوه على ما يقع في النفس، مما لا يقدر على دفعه. لكن من يقع له ذلك مأمورٌ بمجاهدته النفس على تركه.

[القسم الثاني]: أن يكون من أعمال الجوارح، كالزنا، والسرقة، فهو الذي وقع به النزاع، فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلاً. ونُقل عن نصّ الشافعيّ، ويؤيّده ما وقع في حديث خُريم بن فاتك (١)، فإنه حيث ذكر الهمّ بالحسنة قال: "علم اللَّه أنه


(١) هو ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بإسناد صحيح، ولفظه:
١٨٥٥٦ - حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن الرُّكَين بن الرَّبيع، عن أبيه، عن عمه، فلان بن عميلة، عن خريم بن فاتك الأسدي، أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الناس أربعة، والأعمال ستة، فالناس موسع عليه في الدنيا والآخرة، وموسع له في الدنيا، مقتور عليه في الآخرة، ومقتور عليه في الدنيا، موسع عليه في الآخرة، وشقي في الدنيا والآخرة، والأعمال موجبتان، ومثل بمثل، وعشرة أضعاف، وسبع مائة ضعف، فالموجبتان، من مات مسلما مؤمنا، لا يشرك باللَّه شيئًا، فوجبت له الجنة، ومن مات كافرا، وجبت له النار، ومن هم بحسنة فلم يعملها، فعلم اللَّه أنه قد أشعرها قلبه، وحرص عليها، كُتبت له حسنة، ومن هم بسيئة، لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدة، ولم تضاعف عليه، ومن عمل حسنة، كانت له بعشر أمثالها، =