للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد اعترض بعضهم على الاستدلال بحديث "آلى من نسائه شهرًا" على الإيلاء المعروف عند الفقهاء؛ إذ ليس فيه أنه حلف على ترك جماعهنّ، اللَّهم إلا أن يكون على رأي من لا يشترط في الإيلاء ذكر الجماع.

قال في "الفتح": ذَكَرَ البخاريّ حديث أنس - رضي اللَّه عنه - "آلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من نسائه … " الحديث -يعني الحديث الثاني من حديثي الباب هنا - وإدخاله في هذا الباب على طريقة من لا يشترط في الإيلاء ذكر الجماع.

قال: وأنكر شيخنا (١) في "التدريب" إدخال هذا الحديث في هذا الباب، فقال: الإيلاء المعقود له الباب حرام، يأثم به من علم بحاله، فلا تجوز نسبته إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى. وهو مبنيّ على اشتراط ترك الجماع فيه، وقد كنت أطلقت في أوائل "الصلاة"، و"المظالم" أن المراد بقول أنس - رضي اللَّه عنه -: "آلى" أي حلف، وليس المراد به الإيلاء المعروف في كتب الفقهاء، ثم ظهر لي أن فيه الخلاف قديمًا، فليُقيّد ذلك بأنه على رأي معظم الفقهاء، فإنه لم يُنقل عن أحد من فقهاء الأمصار أن الإيلاء ينقعد بغير ذكر ترك الجماع إلا عن حمّاد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة، وإن كان ذلك قد ورد عن بعض من تقدّمه، كما تقدّم. وفي كونه حرامًا أيضًا خلافٌ.

وقد جزم ابن بطّال، وجماعة بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - امتنع من جماع نسائه في ذلك الشهر. ولم أقف على نقل صريح في ذلك، فإنه لا يلزم من ترك دخوله عليهنّ أن لا تدخل إحداهنّ عليه في المكان الذي اعتزل فيه، إلا إِنْ كان المذكور من المسجد، فيتمّ استلزام عدم الدخول عليهنّ مع استمرار الإقامة في المسجد العزم على ترك الوطء؛ لامتناع الوطء في المسجد. انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٣٤٨٢ - (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَصْرِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ, عَنْ أَبِي الضُّحَى, قَالَ: تَذَاكَرْنَا الشَّهْرَ عِنْدَهُ, فَقَالَ بَعْضُنَا: ثَلَاثِينَ, وَقَالَ بَعْضُنَا: تِسْعًا وَعِشْرِينَ, فَقَالَ أَبُو الضُّحَى: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ, قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا, وَنِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يَبْكِينَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا, فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ, فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ, قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ - رضي اللَّه عنه -, فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ, فَسَلَّمَ عَلَيْهِ, فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ, ثُمَّ سَلَّمَ, فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ, ثُمَّ سَلَّمَ, فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ, فَرَجَعَ, فَنَادَى بِلَالاً, فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: لَا, وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا, فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ, ثُمَّ نَزَلَ, فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ).


(١) يعني به البلقينيّ.
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٣٤ - ٥٣٥.