للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على قصاص لها عليه، فإنه صحيح، وإن لم يأخذ الزوج منها شيئًا، فلذلك عبّرت بالحصول، لا بالأخذ. انتهى "عمدة القاري" (١).

وقال في "الفتح": وذكر أبو بكر بن دُريد في "أماليه" أن أوّل خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب -بفتح المعجمة، وكسر الراء، ثم موحّدة- زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه، فشكا إلى أبيها، فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها. قال: فزعم العلماء أن هذا كان أول خلع في العرب انتهى.

وأما أول خلع وقع في الإسلام فهو الآتي في الحديث الثاني، في قصّة حبيبة بنت سهل - رضي اللَّه تعالى عنها -، فإنها أوّل مختلعة في الإسلام، كما أخرجه البزّار من حديث عمر - رضي اللَّه عنه -. كما سيأتي.

وُيسمّى أيضًا فديةً، وافتداء. وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد اللَّه المزنيّ التابعيّ المشهور، فإنه قال: لا يحلّ للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئًا؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}، فأوردوا عليه قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، فادّعى نسخها بآية النساء (٢) ٠ أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه. وتُعُقّب مع شذوذه بقوله تعالى في النساء أيضًا: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} الآية، وبقوله فيها: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} الآية، وبالحديث، وكأنه لم يثبت عنده، أو لم يبلغه، وانعقد الإجماع بعده على اعتباره، وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة، وبآيتي النساء الآخرتين.

وضابطه شرعًا فراق الرجل زوجته ببذل قابل للعوض، يحصل لجهة الزوج. وهو مكروه إلا في حال مخافة أن لا يقيما، أو أحدهما ما أمر به. وقد ينشأ ذلك عن كراهة العشرة، إما لسوء خَلْقٍ، أو خُلُق. وكذا ترفع الكراهة إذا احتاجا إليه خشية حنث يؤول إلى البينونة الكبرى. انتهى (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٣٤٨٨ - (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا الْمَخْزُومِيُّ -وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ- قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنِ الْحَسَنِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, أَنَّهُ قَالَ: «الْمُنْتَزِعَاتُ, وَالْمُخْتَلِعَاتُ, هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ». قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ.


(١) "عمدة القاري" ١٧/ ٤٢. "باب الخلع".
(٢) يعني قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} الآية.
(٣) "فتح" ١٠/ ٤٩٦ - ٤٩٧ "باب الخلع". رقم ٥٢٧٣.