للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مات سنة (٥٧ هـ) وكانت سق الحسن إذ ذاك (٣٦) سنة. وأما من ادّعى أن الحسن لم يلق أبا هريرة، فأنّى له أن يُثبت ذلك؟ وهو إنما يجزم بنفي مطلق، تنقضه الروايات الأخرى الثابتة التي إذا جمُعت، ونُظر فيها بعين الإنصاف، دون التكلّف والتمحّل لم تدع شكَّا في ذلك.

فروى ابن أبي حاتم في "المراسيل" ص١٣ بإسناد صحيح عن شعبة، عن قتادة، قال: قال الحسن: إن واللَّه ما أدركنا حتى مضى صدر أصحاب محمد الأول. قال قتادة: إنما أخذ الحسن، عن أبي هريرة، قلت له -القائل شعبة-: زعم زياد الأعلم أن الحسن لم يلق أبا هريرة؟ قال: لا أدري. وقتادة تابعي أيضًا، أصغر من الحسن، مات بعده بسبع سنين، وهو من أعلم أصحاب الحسن، كما قال أبو زرعة. وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" ٣/ ٢/ ١٣٥: أكثر أصحاب الحسن قتادة، وأثبت أصحاب أنس الزهريّ، ثم قتادة.

فهذا قتادة يجزم بأن الحسن إنما أخذ عن أبي هريرة، بكلمة عامّة مطلقة، يفهم سامعها أن الحسن أخذ عن أبي هريرة العلم، لا أنه أخذ منه حديثًا واحدًا، أو أحاديث معدودةً، وقتادة من أعلم الناس بالحسن، فأنّى تؤثّر كلمة زياد بن حسّان الأعلم التي اعترض بها شعبة بصيغة تُشعر بالتمريض؟ ولذلك لم يجد قتادة جوابًا إلا أن يقول: لا أدري، لا يريد بذلك أنه يشكّ فيما عرف عن شيخه، إنما يشكّ فيما زعم زياد الأعلم، ويوحي باستنكاره، ومن فهم غير هذا، فإنما يُخطىء مواقع الكلام.

ثم قد جاءت روايات صحيحة فيها تصريح الحسن بالسماع من أبي هريرة، مجموعها لا يدع ارتيابًا في صحّة ذلك، وإن فرّقها العلماء في مواضع، وحاول بعضهم أن يتأول ما وقع إليه منها بما وقر في نفوسهم من النفي المطلق، حتى جعلوه جرحًا لبعض الرواة، كما صنع ابن حبّان -فيما حكينا عنه من قبل- في شأن سالم الخيّاط.

ولكن الحافظ ابن حجر لم يستطع أمام بعض الروايات الثابتة، إلا أن ينقض هذا النفي المطلق بحديث واحد، لم يجد منه مناصًا، فقال في "التهذيب" ٢: ٢٦٩ - ٢٧٠ بعد ذكره ذلك الحديث: وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته، وهو يؤيّد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة. وقال في "الفتح" ٩/ ٣٥٤ في الحديث نفسه: وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط، وسنذكر كلامه مفصّلاً، واستدراكنا عليه فيما يأتي في هذا البحث، إن شاء اللَّه.

وقد جمعت ما استطعت مما صرّح فيه الحسن بالسماع من أبي هريرة، ولم أستقص، فما ذلك في مقدوري، ولكن فيما سأذكر مقنعٌ لمن شاء أن يقنع، واللَّه وليّ التوفيق.