وهذا هو المعتمد، فإن الطبريّ نسبه في "تهذيب الآثار"، فقال: عويمر بن الحارث بن زيد بن الجدّ بن عجلان. فلعلّ أباه كان يُلقّب أشقر، أو أبيض. وفي الصحابة ابن أشقر آخر، وهو مازنيّ، أخرج له ابن ماجه.
واتفقت الروايات عن ابن شهاب على أنه في مسند سهل، إلا ما أخرجه النسائيّ من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، وإبراهيم بن سعد، كلاهما، عن الزهريّ، فقال فيه:"عن سهل، عن عاصم بن عديّ، قال: كان عُويمر رجلاً من بني العجلان، فقال"، أي عاصم، فذكر الحديث، والمحفوظ الأول، وسيأتي عن سهل أنه حضر القصّة، وفي رواية للبخاريّ في "الحدود" من رواية سفيان بن عُيينة، عن الزهريّ، قال: قال سهل بن سعد: شهدت المتلاعنين، وأنا ابن خمس عشرة سنة". ووقع في نسخة أبي اليمان، عن شُعيب، عن الزهريّ، عن سهل بن سعد، قال: "توفّي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنا ابن خمس عشرة سنة"، فهذا يدلّ على أن قصّة اللعان، كانت في السنة الأخيرة من زمان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. لكن جزم الطبريّ، وأبو حاتم، وابن حبّان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع، وجزم به غير واحد من المتأخّرين. ووقع في حديث عبد اللَّه بن جعفر عند الدارقطنيّ أن قصّة اللعان كانت بمنصرف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من تبوك. وهو قريب من قول الطبريّ، ومن وافقه، لكن في إسناده الواقديّ، فلا بدّ من تأويل أحد القولين، فإن أمكن، وإلا فطريق شعيب أصحّ. ومما يوهن رواية الواقديّ ما اتفق عليه أهل السير أن التوجّه إلى تبوك كان في رجب، وما ثبت في "الصحيحين" أن هلال بن أُميّة أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وفي قصّته أن امرأته استأذنت له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن تخدُمه، فأذن لها بشرط أن لا يقربها، فقالت: إنه لا حِرَاك به، وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يومًا، فكيف تقع قصّة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك، ويقع لهلال مع كونه فيما ذُكر من الشغل بنفسه، وهجران الناس له، وغير ذلك. وقد ثبت في حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن آية اللعان نزلت في حقّه. وكذا عند مسلم من حديث أنس - رضي اللَّه عنه - أنه أول من لاعن في الإسلام. ووقع في رواية عبّاد بن منصور في حديث ابن عبّاس عند أبي داود، وأحمد: "حتى جاء هلال بن أميّة، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فوجد عند أهله رجلاً … " الحديث. فهذا يدلّ على أن قصّة اللعان تأخّرت عن قصّة تبوك.
قال الحافظ: والذي يظهر أن القصّة كانت متأخّرةً، ولعلّها كانت في شعبان سنة عشر، لا تسع، وكانت الوفاة النبويّة في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة باتفاق، فيلتئم حينئذ مع حديث سهل بن سعد - رضي اللَّه عنه -. ووقع عند مسلم من حديث ابن مسعود