للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك". وفي حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - عنده أيضًا: "إن تكلّم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ". وهذه أتمّ الروايات في هذا المعنى.

(يَا عَاصِمُ، سَلْ) أصله "اسأل"، فنُقلت حركة الهمزة إلى السين، بعد حذفها للتخفيف، واستُغني عن همزة الوصل، فحُذفت، فصار "سَلْ"، على وزن "فَلْ" (لِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَسَأَلَ عَاصِمٌ، عَنْ ذَلِكَ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَعَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الْمَسَائِلَ، وَكَرِهَهَا) وفي رواية مالك، عن ابن شهاب المتقدّمة في -٧/ ٣٤٠٣٠ - : "فكره رسول اللَّهَ - صلى اللَّه عليه وسلم - المسائل، وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - … ".

وقوله: "كبر" بفتح الكاف، وضمّ الموحّدة: أي عظُم وزنًا ومعنًى. وسببه أن الحامل لعاصم على السؤال غيره، فاختصّ هو بالإنكار عليه، ولهذا قال لعويمر لَمّا رجع، فاستفهمه عن الجواب: لم تأتني بخير.

وإنما كره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك ما قال الشافعيّ: كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم زمن نزول الوحي ممنوعة؛ لئلاّ ينزل الوحي بالتحريم فيما لم يكن قبل ذلك محرمًا، فيحرم، ويشهد له الحديث المخرج في "الصحيح": "أعظم الناس جُرْمًا من سأل عن شيء لم يحرم، فيحرم من أجل مسألته".

وقال النوويّ: المراد كراهة المسائل التي لا يُحتاج إليها، لا سيّما ما كان فيه هتك ستر مسلمٍ، أو إشاعة فاحشة، أو شناعة عليه، وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت، فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل، فيُجيبهم - صلى اللَّه عليه وسلم - بغير كراهة، فلما كان في سؤال عاصم شناعة، ويترتّب عليه تسليط اليهود والمنافقين على أعراض المسلمين، كَرِهَ مسألته، وربما كان في المسألة تضييق، وكان - صلى اللَّه عليه وسلم - يحبّ التيسير على أمّته، وشواهد ذلك في الأحاديث كثيرة، وفي حديث جابر - رضي اللَّه عنه -: "ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال". أخرجه الخطيب في "المبهمات" من طريق مجالد، عن عامر عنه (١).

(فَجَاءَهُ عُوَيْمِرْ) وفي رواية مالك المذكورة: "فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عُويمر" (فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ،) "ما" استفهامية، أيْ أيَّ شيء صنعت فيما أمرتك به من سؤال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ (يَا عَاصِمُ؟، فَقَالَ: صَنَعْتُ) أي فعلتُ ما أمرتني به (إِنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا) جملة "كره الخ" تعليليّة لكونه لم يأته بخير (قَالَ عُوَيْمِرْ: وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية مالك المذكورة: "فأقبل


(١) "فتح" ١٠/ ٥٦٣ - ٥٦٤.