للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذهبت طائفة إلى أن الفرقة فسخ؛ وبه قال الشافعيّ، وأحمد -رحمهما اللَّه تعالى-؛ لأنها فرقة توجب تحريمًا مؤبّدًا، فكانت فسخًا، كفرقة الرضاع، ولأن اللعان ليس بصريح في الطلاق، ولا نوى به الطلاق، فلم يكن طلاقًا، كسائر ما ينفسخ به النكاح. وقال أبو حنيفة -رحمه اللَّه تعالى-: هي طلاقٌ؛ لأنها فرقة من جهة الزوج، تخصّ النكاح، فكانت طلاقًا، كالفرقة بقوده: أنت طالقٌ. ذكره ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المذهب الأول هو الأظهر عندي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم فيمن وجد مع امرأته رجلاً، فتحقق الأمر، فقتله، هل يُقتل به أم لا؟:

ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز له الإقدام على قتله، فإن قتله يُقتصّ منه، إلا أن يأتي ببيّنة الزنا، أو على المقتول بالاعتراف، أو يعترف به ورثته، فلا يُقتل القاتل به بشرط أن يكون المقتول محصنًا. وقيل: بل يُقتل به؛ لأنه ليس له أن يُقيم الحدّ بغير إذن الإمام. وقال بعض السلف: بل لا يُقتل أصلاً، وُيعزّر فيما فعله، إذا ظهرت أمارات صدقه. وشرط أحمد، وإسحاق، ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك، ووافقهم ابن القاسم، وابن حبيب من المالكيّة، لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن. أفاده في "الفتح" (٢).

وقال في "المفهم": وكونه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم ينكر على السائل قوله: أيقتله؟ تقرير منه على ذلك، ويلزم منه إن قتله لم يكن فيه قصاص، ولا غيره، وقد عضده قول سعد - رضي اللَّه عنه -: لو رأيته ضربته بالسيف. ولم ينكر عليه، بل صوّبه بقوله: "تعجبون من غيرة سعد؟ ". متّفق عليه. ولهذا قال أحمد، وإسحاق: يُهدر دمه إذا جاء القاتل بشاهدين. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله أحمد، وإسحاق -رحمهما اللَّه تعالى- عندي أرجح؛ لظاهر حديث سعد، وعويمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "المغني" ١١/ ١٤٧. "اللعان".
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٦٢ - ٥٦٣.
(٣) "المفهم" ٤/ ٢٩٠ - ٢٩١.