للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديث ابن عبّاس المذكورة: "فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إني لصادق، فليُنزلنّ اللَّه ما يُبرىء ظهري من الحدّ (وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكَ، مَا يُبَرِّئُ) بتشديد الراء، من التبرئة (ظَهْرِي مِنَ الْجَلْدِ) -بفتح الجيم، وسكون اللام-: هو الضرب بالسوط، يقال: جلدتُ الجاني جَلْدًا من باب ضرب: ضربتُهُ بالْمِجْلَد -بكسر الميم- وهو السوط. الواحدة جَلْدَة، مثل ضرب، وضَرْبَة. قاله الفيّوميّ (فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ) أي بينما النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يتراجع الكلام مع هلال، وأصحابه جالسون معه يستمعون (إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَدَعَا هِلَالاً) إنما بدىء بالرجل؛ لأنه القاذف، فيدرأ الحدّ عن نفسه، ولأنه هو الذي بدأ اللَّه تعالى به، فإذا فرغ من أيمانه تعيّن عليها أن تقابل أيمانه بأيمانها النافية لما أثبته عليها، أو الحدّ، وهذا مما أجمع عليه العلماء. قاله القرطبيّ (١).

(فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتِ باللَّهِ) قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: أي حلف أربع أيمان، وهذا معنى قولَه تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] أي يحلف أربع أيمان، والعرب تقول: أشهد باللَّه: أي أحلف، وكما قال شاعرهم [من الطويل]:

فَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّهَا … فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا؟

وهذا مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: هي شهادات محقّقة من المتلاعنين على أنفسهما. وانبنى على هذا الخلافُ في لعان الفاسقين، والعبدين، فعند الجمهور يصحّ، وعنده أبي حنيفة لا يصحّ. وربما استُدلّ لأبي حنيفة بما رواه أبو عمرو من حديث عمرو بن شعيب، مرفوعًا: "لا لعان بين مملوكين، ولا كافرين،"، وبما رواه الدارقطنيّ من هذا المعنى، ولا يصحّ منها كلّها شيء عند المحدّثين انتهى كلام القرطبيّ (٢).

(إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ) بالنصب عطفًا على "أربعَ"، أي وشهد الخامسة (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وجملة "أن الخ" بدل من "الخامسة"، أو عطف بيان (ثُمَّ دُعِيَتِ الْمَرْأَةُ) ببناء الفعل للَمفعول (فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتِ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ) "أن" بعد "لما" التوقيتيّة زائدة، كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} الآية (٣) (أَوِ الخَامِسَةِ) وفي حديث ابن عبّاس: "فلما كانت عند الخامسة" بدون شكّ (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: (وَقِّفُوهَا) من التوقيف، أي


(١) "المفهم" ٤/ ٢٩٦.
(٢) "المفهم ٤/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(٣) راجع "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ٣٣.