للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ملعون. ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة.

قال السمعانيّ: وقد أورد بعض الحنفيّة أن قوله: "المتلاعنان" يقتضي أن فرقة التأبيد يشترط لها أن يقع التلاعن من الزوجين، والشافعيّة يكتفون في التأبيد بلعان الزوج فقط، كما تقدّم. وأجاب بأنه لما كان لعانه بسبب لعانها، وصريح اللعن يوجد في جانبه دونها، سمّي الموجود منه ملاعنة، ولأنه سبب في إثبات الزنا عليها، فيستلزم انتفاء نسب الولديّة، فإذا انتفى الفراش انقطع النكاح.

[فإن قيل]: إذا أكذب الملاعن نفسه يلزم ارتفاع الملاعنة حكمًا، وإذا ارتفعت صارت المرأة محلّ استمتاع.

[قلنا]: اللعان عندكم شهادةٌ، والشاهد إذا رجع بعد الحكم لم يرتفع الحكم، وأما عندنا فهو يمينٌ، واليمين إذا صارت حجة، وتعلّق بها الحكم، لا ترتفع، فإن أكذب نفسه، فقد زعم أنه لم يوجد منه ما سقط الحدّ عنه، فيجب عليه الحدّ، ولا يرتفع موجب اللعان. قاله في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٣٥٠٣ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَمْرٍو, قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ, يَقُولُ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ, عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ, فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ, أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ, وَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» , قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, مَالِي, قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ, إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا, فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا, وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا, فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه "محمد بن منصور"، وهو الْجَوّاز المكيّ، فإنه من أفراده، و"سفيان": هو ابن عيينة، و"عمرو": هو ابن دينار.

وقوله: "لا سبيل لك عليها" أي لا تسلّط لك على زوجتك التي لاعنتها.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هو دليل لمالك، ولمن قال بقوله في تأبيد التحريم، فإن ظاهره النفي العامّ. وقد ذكر الدارقطنيّ زيادة في حديث سهل بعد قوله: "ففرّق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بينهما، وقال: "لا يجتمعان أبدًا". وقال أبو داود، عن سهل: "مضت سنة المتلاعنين أن يُفرّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا". قال مالك: وهي السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا انتهى (٢).

والحديث متّفقٌ عليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "فتح" ١٠/ ٥٧٦ - ٥٧٧.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٩٨.