للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحديث صحيحٌ، وقد سبق شرحه، وبيان مسائله قبل باب، وأتكلّم هنا على ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فأقول:

[مسالة]: في اختلاف أهل العلم في ابتداء عدّة المرأة، هل هو من يوم الوفاة والطلاق، أو من يوم علمها بذلك:

قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: واختلفوا في المرأة يبلغها وفاة زوجها، أو طلاقه، فقالت طائفة: العدّة في الطلاق والوفاة من يوم يموت، أو يطلّق. هذا قول ابن عمر، وابن مسعود، وابن عبّاس. وبه قال مسروق، وعطاء، وجماعة من التابعين. وإليه ذهب مالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، والثوريّ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.

وفيه قولٌ ثانٍ، وهو أن عدّتها من يوم يبلغها الخبر. روي هذا القول عن عليّ، وبه قال الحسن البصريّ، وقتادة، وعطاء الخراسانيّ، وجُلَاس بن عمرو.

وقال سعيد بن المسيّب، وعمر بن عبد العزيز: إن قامت بيّنة، فعدّتها من يوم مات، أو طَلَّقَ، وإن لم تقم بيّنة، فمن يوم يأتيها الخبر. والصحيح الأول؛ لأنه تعالى علّق العدّة بالوفاة، أو الطلاق؛ ولأنها لو علمت بموته، فتركت الإحداد انقضت العدّة، فإذا تركته مع عدم العلم، فهو أهون، ألا ترى أن الصغيرة تنقضي عدّتها، ولا إحداد عليها. وأيضًا فقد أجمع العلماء على أنها لو كانت حاملًا، لا تعلم طلاق الزوج، أو وفاته، ثم وضعت حملها أن عدّتها منقضيةٌ، ولا فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المختلف فيها.

ووجه من قال بالعدة من يوم يبلغها الخبر أن العدّة عبادة بترك الزينة، وذلك لا يصحّ إلا بقصد ونيّة، والقصد لا يكون إلا بعد العلم. واللَّه أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الأولون من أن العدّة من يوم الوفاة، والطلاق، لا من يوم بلوغ الخبر إليها هو الأرجح، كما صححه القرطبيّ، وبين وجهه في كلامه السابق. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه

أنيب".


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ١٨٢ - ١٨٣.