للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك، إلا في رواية ابن عيينة هذه، وأظنّها وهَمًا. وكنت أظن أنه حذف منه لفظ "ابن"؛ لأن الذي جاء نعيه من الشام، وأمّ حبيبة في الحياة هو أخوها يزيد بن أبي سفيان الذي كان أميرًا على الشام، لكن رواه البخاريّ في "العِدَد" من طريق مالك، ومن طريق سفيان الثوريّ، كلاهما عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن حُميد بن نافع بلفظ: "حين توفّي عنها أبوها، أبو سفيان بن حرب"، فظهر أنه لم يسقط منه شيء، ولم يقل واحد منهما "من الشام". وكذا أخرجه ابن سعد في ترجمة أم حبيبة، من طريق صفيّة بنت أبي عُبيد، عنها. ثم وجدت الحديث في "مسند ابن أبي شيبة"، قال: "حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن حُميد بن نافع -ولفظه: جاء نعي أخي أم حبيبة، أو حميم لها، فدعت بصفرة، فلطخت به ذراعيها". وكذا رواه الدارميّ عن هاشم بن القاسم، عن شعبة، لكن بلفظ: "أن أخًا لأم حبيبة مات، أو حميمًا لها". ورواه أحمد عن حجاج، ومحمد بن جعفر جميعًا، عن شعبة، بلفظ: "أن حميمًا لها مات"، من غير تردد، وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب، فقوي الظنّ عند هذا أن القصّة تعدّدت لزينب مع أمّ حبيبة عند وفاة أخيها يزيد، ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان، ولا مانع من ذلك انتهى (فَدَعَتْ أُمّ حَبِيبَةَ بِطِيبِ) أي طلبت طيبًا. زاد في رواية "الموطّإ": "وفيه صُفْرة خلوق، أو غيره" (فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً) بالنصب، قال الحافظ: لم أعرف اسمها (ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ما سحين تجوّزًا، والظاهر أنها جعلت الطيب في يديها، ومسحتها بعارضيها، والباء للإلصاق، أو الاستعانة، ومسح يتعدّى بنفسه، وبالباء، تقول: مسحت برأسي، ومسحت رأسي. وفي "الإكمال": قال ابن دريد: العارضان صفحتا العنق، وما بعده الأسنان. وفي "كتاب العين": عارضة الوجه: ما يبدو منه، ومبسما الوجه والثنايا. والمراد هنا الأول. وفي "المفهم": العوارض: ما بعد الأسنان، أطلقت على الخدّين هنا مجازًا؛ لأنهما عليها، فهو من مجاز المجاورة، أو تسمية للشيء بما كان من سببه. قاله الزرقانيّ (١).

(ثُمَّ قَالَتْ) أمّ حبيبة - رضي اللَّه تعالى عنها - (وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ) "من" زائدة، وفي رواية: "حاجةٌ" (غيرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ) وفي رواية: "يقول" (لَا يَحِلُّ) نفي بمعنى النهي، للتأكيد. واستُدلّ به على تحريم الإحداد على غير الزوج، وهو واضحٌ، وعلى وجوب الإحداد المدّة المذكورة على الزوج. واستُشكل بأن


(١) "شرح الزرقاني على الموطإ" ٣/ ٢٣٠ - ٢٣١.