للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نساء العالمين، وقد أخذ الناس بحديث فُريعة بنت مالك بن سنان، أخت أبي سعيد الخدريّ في اعتداد المتوفّى عنها في بيت زوجها، وليست فاطمة بدونها علمًا، وجلالةً، وثقةً، وأمانةً، بل هي أفقه منها بلا شكّ، فإن فُريعة لا تعرف إلا في هذا الخبر، وأما شهرة فاطمة، ودعاؤها من نازعها من الصحابة إلى كتاب اللَّه، ومناظرتها على ذلك، فأمرٌ مشهور، وكانت أسعد بهذه المناظرة ممن خالفها، كما مضى تقريره.

وقد كان الصحابة - رضي اللَّه عنهم - يختلفون في الشيء، فتروي لهم إحدى أمهات المؤمنين عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - شيئًا، فيأخذون به، ويرجعون إليه، ويتركون ما عندهم له، وإنما فُضّلن على فاطمة بنت قيس بكونهنّ أزواج رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإلا فهي من المهاجرات الأُوَل، وقد رضيها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لِحِبّه، وابن حِبّه أُسامة بن زيد - رضي اللَّه عنهم -، وكان هو الذي خطبها له، وإذا شئت أن تعرف مقدار حفظها وعلمها، فاعرفه من حديث الدجّال الطويل الذي حدّث به رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على المنبر، فوعته فاطمة، وحفظته، وأدّته كما سمعته، ولم يُنكره عليها أحدٌ مع طوله، وغرابته، فكيف بقصّة جرت لها، وهي سببها، وخاصمت فيها، وحُكم فيها بكلمتين، وهي "لا نفقة، ولا سكنى"، والعادة توجب حفظ مثل هذا، وذِكْرَه، واحتمالُ النسيان فيه أمر مشتركٌ بينها وبين من أنكر عليها، فهذا عمر قد نسي تيمّم الجنب، وذكّره عمار بن ياسر أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لهما بالتيمّم من الجنابة، فلم يَذكُره عمر - رضي اللَّه عنه -، وأقام على أن الجنب لا يصلّي حتى يجد الماء.

ونسي قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠]، حتى ذكرته به امرأة، فرجع إلى قولها (١).

ونسي قوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠]، حتى ذُكّر به.

فإن كان جواز النسيان على الراوي يوجب سقوط روايته سقطت رواية عمر التي عارضتم بها خبر فاطمة، وإن كان لا يوجب سقوط روايته بطلت المعارضة بذلك، فهي باطلة على التقديرين، ولو رُدّت السننُ بمثل هذا، لم يبق بأيدي الأمة منها إلا اليسير، ثم كيف يُعارِض خبر فاطمة، ويطعن فيه بمثل هذا من يرى قبول خبر الواحد العدل، ولا يشترط للرواية نصابًا، وعمر - رضي اللَّه عنه - أصابه في مثل هذا ما أصابه في ردّ خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، ورده خبر المغيرة بن شعبة في إملاص المرأة حتى شهِد له محمد بن مسلمة، وهذا كان تثبيتًا منه - رضي اللَّه عنه - عنه حتى لا يركب


(١) انظر تفسير ابن كثير ١/ ٤٦٧ - فقد قال عن الحديث: إسناده جيد قويّ، مع أن في سنده مجالد بن سعيد، وليس بالقويّ، وقد تغيّر في آخر عمره.