للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالت: بيني وبينكم كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، وأيّ أمر يحدث بعد الثلاث، وقد تقدّم أن قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: ٢]، يشهد بأن الآيات كلها في الرجعيّات.

فصل:

وأما المطعن الثالث، وهو أن خروجها لم يكن إلا لفحش من لسانها، فما أبرده من تأويل، وأسمجه، فإن المرأة من خيار الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وفضلائهم، ومن المهاجرات الأُول، وممن لا يحملها رقّة الدين، وقلّة التقوى على فُحش، يوجب إخراجها من دارها، وأن يمنع حقّها الذي جعله اللَّه لها، ونهى عن إضاعته، فيا عجبا: كيف لم ينكر عليها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - هذا الفُحْش؟ ويقول لها: اتق اللَّه، وكُفّي لسانك عن أذى أهل زوجك، واستقرّي في مسكنك؟ وكيف يعدِل عن هذا إلى قوله: "لا نفقة لك، ولا سكنى"، وإلى قوله: "إنما السكنى والنفقة للمرأة التي إذا كان لزوجها عليها رجعة؟ " (١)، فيا عجبا كيف يُترك هذا المانع الصريح الذي خرج من بين شفتي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويُعلّل بأمر موهوم لم يعلّل به رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - البتّة، ولا أشار إليه، ولا نبّه عليه؟ هذا من المحال البيّن. ثم لو كانت فاحشة اللسان، وقد أعاذها اللَّه من ذلك، لقال لها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وسمعت، وأطاعت: كُفّي لسانك حتى تنقضي عدّتك، وكان من دونها يسمع، ويُطيع؛ لئلا يخرج من سكنه.

فصل:

وأما المطعن الرابع: وهو معارضة روايتها برواية عمر - رضي اللَّه عنه -، فهذه المعارضة تُورد من وجهين: أحدهما: قوله: "لا ناع كتاب ربّنا، وسنّة نبيّنا"، وأن هذا من حكم المرفوع. الثاني: قوله: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "لها السكنى والنفقة".

ونحن نقول: قد أعاذ اللَّه أمير المؤمنين من هذا الكلام الباطل الذي لا يصحّ عنه أبدًا. قال الإمام أحمد: لا يصحّ ذلك عن عمر. وقال أبو الحسن الدارقطنيّ: بل السنّة بيد فاطمة بنت قيس قطعًا، ومن له إلمامٌ بسنّة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يشهد شهادة اللَّه أنه لم يكن عند عمر - رضي اللَّه عنه - سنة عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن للمطلّقة ثلاثًا السكنى والنفقة، وعمر كان أتقى للَّه، وأحرص على تبليغ سنن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن تكون هذه السنّة عنده، ثم لا يرويها أصلًا، ولا يبيّنها، ولا يبلّغها عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

وأما حديث حمّاد بن سلمة، عن حمّاد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن عمر


(١) حديث صحيح، تقدّم تخريجه قريبًا.