ووجه تعلّق قوله:"وإنك لن تنفق نفقة الخ" بقصّة الوصيّة أن سؤال سعد يُشعر بأنه رغب في تكثير الأجر، فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث، قال له على سبيل التسلية: إن جميع ما تفعله في مالك من صدقة، ناجزة، ومن نفقةٍ، ولو كانت واجبةً تؤجر بها، إذا ابتغيت بذلك وجه اللَّه تعالى، ولعلّه خصّ المرأة بالذكر لأن نفقتها مستمرّةٌ، بخلاف غيرها. قال ابن دقيق العيد: فيه أن الثواب في الإنفاق مشروطٌ بصحّة النيّة، وابتغاء وجه اللَّه، وهذا عَسِرٌ إذا عارضه مقتضى الشهوة، فإن ذلك لا يُحَصِّل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه اللَّه، وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه، قال: وقد يكون فيه دليلٌ على أن الواجبات إذا أُدّيت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه اللَّه أُثيب عليها، فإن قوله:"حتى ما تجعل في في امرأتك" لا تخصيص له بغير الواجب، ولفظة "حتّى" هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى، كما يقال: جاء الحُجّاج حتى المشاة.
وقوله:"وعسى اللَّه أن يرفعك" أي يُطيل عمرك، وكذلك اتّفق، فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنةً، بل قريبًا من خمسين؛ لأنه مات سنة (٥٥) من الهجرة، وقيل: سنة (٥٨)، وهو المشهور، فيكون عاش بعد حجة الوداع (٤٥) سنة، أو (٤٨) سنة.
وقوله:"فينتفع بك ناسٌ، وُيضرّ بك آخرون" أي ينتفع بك المسلمون بالغنائم، مما سيفتح اللَّه على يديك من بلاد الشرك، وُيضرّ بك المشركون الذين يهلكون على يديك. وزعم ابن التين أن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على يديه، كالقادسيّة، وغيرها، وبالضرر ما وقع من تأمير ولده عمر بن سعد على الجيش الذين قتلوا الحسين بن عليّ، ومن معه. وهو كلامٌ مردود؛ لتكلّفه لغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده، وقد وقع منه هو الضرر المذكور بالنسبة إلى الكفّار. وأقوى من ذلك ما رواه الطحاويّ من طريق بكير بن عبد اللَّه بن الأشجّ عن أبيه، أنه سأل عامر بن سعد، عن معنى قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - هذا، فقال: لَمّا أُمّر سعد على العراق، أُتي بقوم ارتدّوا، فاستتابهم، فتاب بعضهم، وامتنع بعضهم، فقتلهم، فانتفع به من تاب، وحصل الضرر للآخرين. قال بعض العلماء:"لعلّ"، وإن كانت للترجّي، لكنّها من اللَّه للأمر الواقع، وكذلك إذا وردت على لسان رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - غالبًا. قاله في "الفتح"(١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.