للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يكون إلا بدّليل، والنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا حكم بحكم في زمانه، كان ذلك سنّة، وشريعة في سائر الأزمان، وقد قال سبحانه وتعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} الآية [محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -: ٤]، وهذا خطاب لجماعة الأمّة كلّهم، ليس فيه تخصيص للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإنما كان فعله امتثالاً للآية.

وأما الذين اعتلّوا به من تقوية الكفر، فإن الإمام إذا رأى أن يعطى كافرًا عطيّة، يستمليه بها إلى الإسلام، كان ذلك جائزًا، وإن كان في ذلك تقوية لهم، فكذلك هذا، وقد أعطى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رجلاً من الكفار غنمًا بين جبلين. انتهى (١).

(ومنها): أنه استدلّ بعضهم بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: (والخمس مردود عليكم" على أن سهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ساقطٌ بعد موته، ومردود على شركائه المذكورين معه في الآية، وكذلك سهم ذوي القربى. وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي. وقال بعضهم: هو للخليفة بعده، يَصرفه فيما كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يصرفه فيه أيام حياته. وقال الشافعيّ: هو موضوع في كلّ أمر حُصِّنَ به الإسلام وأهله، من سدّ ثغر، واعداد كُراع، وسُلاح، وما دعا إلى مصلحة فيه. قاله الخطّابيّ.

(ومنها): أن قوله: "أدّوا الخياط والمخياط" دليل على أن قليل ما يُغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة، ليس لأحد أن يستبدّ بشيء منه، وإن قلّ، إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة، وهذا قول الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-، وقال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إذا كان شيئًا خفيفًا، فلا أرى به بأسًا أن يرتفق به آخذُهُ دون أصحابه. قاله

الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢). (ومنها): شدّة أمر الغلول، وإن كان في الشيء التافه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم هبة المشاع:

قال العلاّمة ابن قُدَامة -رحمه اللَّه تعالى-: تصحّ هبة المشاع، وبه قال مالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، قال الشافعيّ: وسواء في ذلك ما أمكن قسمته، أو لم يمكن. وقال أصحاب الرأي: لا تصحّ هبة المشاع الذي يمكن قسمته؛ لأن القبض شرط في الهبة، ووجوب القسمة يمنع صحّة القبض وتمامه، فإن كان مما لا يمكن قسمته، صحّت هبته؛ لعدم ذلك فيه، وإن وهب اثنان شيئًا مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة، وجاز عند صاحبيه، وإن وهب اثنان اثنين شيئًا مما ينقسم، لم يصحّ في قياس قولهم؛ لأن كلّ واحد من المتَّهبين قد وُهب له جزء مشاع.


(١) "معالم السنن" ٤/ ٢٥.
(٢) "معالم السنن" ٤/ ٢٨.