للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدار، فإن متّ قبلي رجعت إليّ، وإن متُّ قبلك فهي لك. وهي فُعْلَى من المراقبة؛ لأن كلّ واحد منهما يرقُب موت صاحبه. والفقهاء فيها مختلفون، منهم يجعلها تمليكًا، ومنهم من يجعلها كالعارية. انتهى (١) (جَائِزَةٌ) وفي حديث ابن عبّاس - صلى اللَّه عليه وسلم - الآتى ٢/ ٣٧٣٧ - : "الرقبى جائزة لمن أُرقبها". وفي حديث جابر - رضي اللَّه عنه -: عند أبي داود: "الرقبى جائزة لأهلها". والمعنى أنها ثابتةٌ، ومستمرّة لمن جُعلت له إلى الأبد، لا رجوع فيها للمعطي أصلاً. [فإن قلت]: هذه الروايات تخالف روايات: "لا رُقبى"، وفي لفظ: "لا ترقبوا أموالكم"، وفي لفظ: "لا تحلّ الرقبى"، وفي رواية: "نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن العمرى، والرقبى"، وفي رواية: "لا عمرى، ولا رقبى"، وغير ذلك من الألفاظ المختلفة التي ستأتي للمصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فكيف تجمع بينها؟.

[قلت]: أجاب العلماء -رحمهم اللَّه تعالى- عن هذه الروايات المختلفة ظاهرًا، بأن النهي محمول على ما كان يفعله الجاهليّون، من أنهم كانوا يجعلون شيئًا للشخص حياته، فإذا مات ردّت إلى صاحبها، فأبطل ذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحكم بأن الرقبى والعمرى جائزتان على أنهما عطاء مؤبّد موروث لورثة الموهوب له.

والحاصل أن النهي لما كان على صفة الجاهليّة، والجواز على ما كان على الصفة الشرعيّة، وهي أن تكون مؤبّدة، لا مؤقّتةً. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح". وقال الماورديّ: اختلفوا إلى ماذا يوجه النهي؟ والأظهر أنه يتوجّه إلى الحكم. وقيل: يتوجه إلى اللفظ الجاهليّ، والحكم المنسوخ. وقيل: النهي إنما يمنع صحّة ما يفيد المنهي عنه فائدة، أما إذا كان صحّة المنهيّ عنه ضررًا على مرتكبه، فلا يمنع صحته، كالطلاق في زمن الحيض، وصحّةُ العمرى ضرر على المُعمِر، فإن ملكه يزول بغير عوض. هذا كله إذا حمل النهي على التحريم، فإن حُمل على الكراهة، أو الإرشاد لم يحتج إلى ذلك، والقرينة الصارفة ما ذُكر في آخر الحديث من بيان حكمه، ويُصرّح بذلك قوله: (العمرى جائزة)، وللترمذيّ من طريق أبي الزبير، عن جابر رفعه: "العمرى جائز لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها". واللَّه أعلم.

قال بعض الحذّاق: إجازة العمرى، والرقبى بعيد عن قياس الأصول، ولكن الحديث مقدّم، ولو قيل بتحريمهما للنهي، وصحّتهما للحديث لم يبعُد. وكأن النهي لأمر خارج، وهو حفظ الأموال، ولو كان المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لم يُنهَ


(١) "النهاية" ٢/ ٢٤٩.