للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كعب الأحبار أنه قال: إنكم تشركون، قالوا: وكيف، يا أبا إسحاق؟، قال: يحلف الرجل، لا وأبي، لا وأبيك، لا لعمري، لا لحياتي، ولا وحرمة المسجد، لا والإِسلام، وأشباهه من القول. وعن القاسم بن مُخيمِرةَ قال: ما أبالي حلفت بحياة رجل، أو بالصليب. رواها كلها ابن أبي شيبة. انتهى كلام وفي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

وقال في "الفتح": قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير اللَّه، فقالت طائفة: هو خاصّ بالأيمان التي كان أهل الجاهليّة يحلفون بها تعظيما لغير اللَّه تعالى، كاللات، والعزّى، والآباء، فهذه يأثم الحالف بها, ولا كفّارة فيها، وأما ما كان يؤول إلى تعظيم اللَّه، كقوله: وحقِّ النبيّ، والإسلام، والحجّ، والعمرة، والهدي، والصدقة، والعتق، ونحوها، مما يراد به تعظيم اللَّه، والقربة إليه، فليس داخلاً في النهي.

وممن قال بذلك أبو عُبيد، وطائفة، ممن لقيناه، واحتجّوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق، والهدي، والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدلّ على أن ذلك عندهم ليس على عمومه، إذ لو كان عامًا لنهوا عن ذلك، ولم يوجبوا فيه شيئًا انتهى.

وتعقّبه ابن عبد البرّ بأن ذكر هذه الأشياء، وإن كانت بصورة الحلف، فليست يمينًا في الحقيقة، وإنما خرج على الاتّساع، ولا يمين في الحقيقة إلا باللَّه. انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الخامسهَ): في أقوال أهل العلم في الجمع بين أحاديث النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى، وبين قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - للأعرابيّ: "أفلح وأبيه إن صدق": فقد أجابوا عن ذلك بأجوبة:

[أحدها]: تضعيف هذا الحديث، وإن كان في "الصحيح"، قال ابن عبد البرّ: هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من حديث من يُحتجّ به، وقد روى هذا الحديث مالك وغيره، لم يقولوا ذلك، وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث، وفيه: "أفلح واللَّه، إن صدق، أو دخل الجنّة واللَّه إن صدق"، وهذا أولى من رواية من روى "وأبيه"؛ لأنها لفظة منكرة، تردّها الآثار الصحاح. انتهى. وزعم بعضهم أن بعض الرواة عنه صحّف قوله: "وأبيه" من قوله: "واللَّه"، وهو محتملٌ، ولكن مثل ذلك لا


(١) "طرح التثريب" ٧/ ١٤٢ - ١٤٤.
(٢) "فتح" ١٣/ ٣٨٣ - ٣٨٤.