للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الخامس]: أنه للتعجّب. قاله السهيليّ، قال: ويدلّ عليه أنه لم يرد بلفظ "أبي"، وإنما ورد بلفظ "وأبيه" بالإضافة إلى ضمير المخاطب حاضرًا، أو غائبًا.

[السادس]: أن ذلك خاصّ بالشارع، دون غيره من أمّته. وتُعُقّب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال. قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أرجح الأقوال قول من قال: إنه لمجرّد التأكيد لا للتعظيم، كالبيتين السابقين، وكقول الآخر [من الطويل]:

أَطِيبُ سَفَاهًا من سَفَاهَةِ رَأْيِهَا … لأَهْجُوَهَا لَمَّا هَجَتْنِي مُحَارِبُ

فَلَا وَأَبِيهَا إِنَّنِي بِعَشِيرَتِي … وَنَفْسِيَ عَنْ ذَاكَ الْمَقَامِ لَرَاغِبُ

فإنه محالٌ أن يُقسم بأبي من يهجوه على سبيل الإعظام لحقّه، في أمثلة كثيرة، والنهي إنما ورد في التعظيم.

والحاصل أن ما وقع في الحديث المذكور من قوله: "أفلح وأبيه" من هذا النوع، وما تقدّم من التعقّب بأن ظاهر سياق حديث عمر يدلّ على أنه كان يحلفه الخ، فنقول: نعم إنه كان حالفًا به، على الوجه المذموم، كما هو عادة قريش، فنهاه الشارع من أجل هذا، وأما استعماله - صلى اللَّه عليه وسلم - فليس من هذا الباب، بل من النوع الآخر الذي مجرد التأكيد، فافهم الفرق بينهما تُرشَدْ، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٧٩٢ - (أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ بَنِي غِفَارٍ, فِي مَجْلِسِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ").

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و (زياد بن أيوب): هو أبو هاشم البغداديّ الطوسي الأصل الملقّب بدلّويه الثقة الحافظ [١٠] ١٠١/ ١٣٢. و"يحيى بن أبي إسحاق": هو الحضرميّ مولاهم، البصريّ النحويّ، صدوقٌ ربّما أخطأ [٥] ١/ ١٤٣٨.

وقول يحيى بن أبي إسحاق: حدّثني رجل الخ الظاهر أنه حدثه بحديث يتعلّق بالحلف بالآباء، ولذا ذكر له سالم حديث عمر - رضي اللَّه عنه -. ثم إن قوله: "رجل الخ" لا يضرّ بالسند لأنه ليس مقصودًا في السند، وإنما المقصود سالم، عن أبيه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -،


(١) "فتح" ١٣/ ٣٨٢ - ٣٨٣. "كتاب الأيمان والنذور".