(وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عَذِّبَهِ اللَّه بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) وفي رواية: "ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به يوم القيامة". وقوله:"بشيء" أعمّ مما وقع في رواية مسلم "بحديدة"، وله من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "ومن تحسّى سمّا". قال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: هذا من باب مجانسة العقوبات الأخرويّة للجنايات الدنيويّة، ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي للَّه تعالى، فلا يتصرّف فيها إلا بما أذن له فيه.
قيل: وفيه حجة لمن أوجب المماثلة في القصاص؛ خلافًا لمن خصّصه بالمحدود.
وردّه ابن دقيق العيد بأن أحكام اللَّه لا تُقاس بأفعاله، فليس كلّ ما ذُكر أنه يفعله في الآخرة يشرع لعباده في الدنيا، كالتحريق بالنار مثلًا، وسقي الحميم الذي يقطع به الأمعاء.
وحاصله أنه يستدلّ للماثلة في القصاص بغير هذا الحديث، وقد استدلّوا بقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠] ويأتي بيان ذلك في "القصاص والديات"، إن شاء اللَّه تعالى (١).
[تنبيه]: جملة الخصال التي ذكر المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- في حديث ثابت بن الضحاك - صلى اللَّه عليه وسلم - هذا ثلاث أشياء:
١ - "من حلف بملة غير الإسلام"، و ٢ - "ومن قتل نفسه بشيء". و ٣ - ما يأتي في -٣١/ ٣٨٤٠ - :"وليس على رجل نذرٌ فيما لا يملك".
وقد أخرج البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- الحديث في "كتاب الأدب" من "صحيحه" بأتمّ من هذا, ولفظه:
٦٠٤٧ - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك، وكان من أصحاب الشجرة حدثه، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال:"من حلف على ملة غير الإسلام، فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر، فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنا، فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر، فهو كقتله".
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: مدار هذا الحديث في الكتب الستّة، وغيرها على أبي قلابة، عن ثابت بن الضحّاك، ورواه عن أبي قلابة خالد الحذّاء، ويحيى بن أبي كثير، وأيوب، فأخرجه البخاريّ في "الجنائز" من رواية يزيد بن زريع، عن خالد الحذّاء،