للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: اختُلف فيمن قال: أكفر باللَّه، ونحو ذلك، إن فعلت، ثم فعل، فقال ابن عبّاس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفّارة عليه، ولا يكون كافرًا، إلا إن أضمر ذلك بقلبه. وقال الأوزاعيّ، والثوريّ، والحنفيّة، وأحمد، وإسحاق: هو يمين، وعليه الكفّارة. قال ابن المنذر: والأول أصحّ؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من حلف باللات والعزّى، فليقل: لا إله إلا اللَّه"، ولم يذكر كفّارة. زاد غيره: ولذا قال: "من حلف بملّة غير الإسلام، فهو كما قال"، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترىء أحدٌ عليه. ذكره في "الفتح". (١).

وقال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- بعد ذكر الروايتين عن أحمد: والرواية الثانية -يعني القول بعدم الكفّارة- أصحّ، إن شاء اللَّه تعالى؛ فإن الوجوب من الشارع، ولم يرد في هذه اليمين نصّ، ولا هى في قياس المنصوص؛ فإن الكفّارة إنما وجبت في الحلف باسم اللَّه تعظيمًا لاسمه، وإظهارًا لشرفه وعظمته، ولا تتحقّق التسوية. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه عنه -: هذا الذي قاله ابن قدامة، وقبله ابن المنذر، من تصحيح القول بعدم وجوب الكفّارة على من حلف بملّة سوى الإسلام، أو هو يهوديّ، أو نصرانيّ، أو نحو ذلك، ثم حنث. هو الأرجح عندي؛ لوضوح دليله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٧٩٨ - (أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى, أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ, سِوَى الْإِسْلَامِ كَاذِبًا, فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ, عُذِّبَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ").

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، وهو دمشقيّ ثقة. و"الوليد": وابن مسلم، أبو العباس الدمشقيّ. و"أبو عمرو": هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيّ. و"يحيى": وابن أبي كثير أبو نَصْرٍ صالح بن المتوكّل، اليماميّ.

والحديث متّفقٌ عليه. وقد سبق القول فيه في الذي قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".


(١) "فتح" ١٣/ ٣٨٧.
(٢) "المغني" ١٣/ ٤٦٤ - ٤٦٥.