اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قُرصًا، فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدي، ثم أخذ الثالث، فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يديّ، ثم قال:"هل من أُدُم؟ "، قالوا: لا، إلا شيء من خَلٍّ، قال:"هاتوه، فنعم الأُدُمُ هو".
(فَإِذَا فِلَقٌ) ولفظ مسلم: "فأخرج إليه فِلَقَا من خبز"، "الفلق" -بكسر الفاء، وفتح اللام-: جمع فِلْقَة -بكسر، فسكون-: بمعنى الْكِسْرة من الخبز، أي أخرج إليه الخادم ونحوه كِسَرًا من خبز (وَخَلٌّ) تقدّم معناه أول الباب (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كُلْ، فَنِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ) زاد في رواية مسلم من طريق ابن عليّة، عن المثنى بن سعيد: "قال جابر: فما زلت أُحبّ الخلّ منذ سمعتها من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال طلحة: ما زلت أحبّ الخل منذ سمعتها من جابر".
قال النوويّ: وأما معنى الحديث: فقال الخطابيّ، والقاضي عياضٌ: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة: تقديره: ائتدموا بالخلّ، وما في معناه، مما تَخِفّ مؤنته، ولا يَعِزّ وجوده، ولا تتأنّقوا في الشهوات، فإنها مَفسَدةٌ للدين، مَسْقَمَةٌ للبدن. هذا كلام الخطّابيّ، ومن تابعه.
والصواب الذي ينبغي أن يُجزم به أنه مدحٌ للخلّ نفسه، وأما الاقتصار في المطعم، وترك الشهوات، فمعلومٌ من قواعد أخر. واللَّه أعلم.
وأما قول جابر - رضي اللَّه عنه -: فما زلت أُحبّ الخلّ منذ سمعتها من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فهو كقول أنس - رضي اللَّه عنه -: ما زلت أُحبّ الدبّاء، وهذا مما يؤيّد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدحٌ للخلّ نفسه، وقد ذكرنا مرّات أن تأويل الراوي إذا لم يُخالف الظاهر يتعيّن المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء، والأصوليين، وهذاكذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعيّن اعتماده. واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-، وهو تحقيق حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): في مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٢١/ ٣٨٢٣ - وفي "الكبرى" ٢١/ ٤٧٣٨. وأخرجه (م) في "الأشربة" ١٠٥٢ (د) في "الأطعمة" ٣٨٢٠ و ٣٨٢١ (ت) في "الأطعمة" ١٨٣٩ و ١٨٤٢ (أحمد) في "باقي مسند المكثرين" ١٣٨١٣ و ١٣٨٤٩ و ١٤٥٠٨ و ١٤٥٦٧ و ١٤٦٤٠ و ١٤٧٦٤