للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حصل لهم من هذه الأخوّة الحظّ الأوفر؛ لأنها الأخوّة اليقينية العامّة، وانفردت الصحابة بخصوصيّة الصحبة. وأما قوله: "للعامل منهم أجر خمسين منكم" فلا حجة فيه؛ لأن ذلك-إن صحّ- إنما هو في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنه قد قال - صلى اللَّه عليه وسلم - في آخره: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا, ولا يجدون"، ولا بُعد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه، ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث. واللَّه أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(ثُمَّ الذينَ يَلُونُهمْ) وهم تبع أتباع التابعين (فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ مَرَّتَينِ بَعْدَهُ، أَوْ ثَلَاثًا) ولفظ البخاريّ: فلا أدري، أذكر بعد قرنه قرنين، أو ثلاثة". قال في "الفتح": وقع مثل هذا الشكّ في حديث ابن مسعود، وأبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند مسلم، وفي حديث بُريدة - رضي اللَّه عنه - عند أحمد، وجاء في أكثر الطرق بغير شكّ، منها: عن النعمان بن بشير - رضي اللَّه عنهما - عند أحمد، وعن مالك عند مسلم، عن عائشة: قال رجل: يا رسول اللَّه، أيّ الناس خيرٌ؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث". ووقع في رواية الطبرانيّ، وسمويه ما يُفسّر به هذا السؤال، وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أيّ الناس خير؟، فقال: أنا وقرني"، فذكر مثله. وللطيالسيّ من حديث عمر نهنى، رفعه: "خير أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني، ثم الثالث". ووقع في حديث جعدة بن هُبيرة عند ابن أبي شيبة، والطبرانيّ إثبات القرن الرابع، ولفظه: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردأ"، ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف في صحبته. واللَّه أعلم. انتهى (٢).

(ثُمَّ ذَكَرَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (قَوْمًا، يَخُونُونَ) قال في "الفتح": كذا في جميع الروايات التي اتّصلت لنا بالخاء المعجمة، والواو، مشتقّ من الخيانة، وزعم ابن حزم أنه وقع في نسخة "يَحْرِبُون" -بسكون المهملة، وكسر الراء، بعدها موحّدة- قال: فإن كان محفوظًا، فهو من قولهم؛ حَرَبه يَحرِبه: إذا أخذ ماله، وتركه بلا شيء، ورجلٌ محروبٌ: أي مسلوب المال. انتهى.

(وَلَا يُؤتَمَنُونَ) بالبناء للمفعول: أي لا يشق الناس بهم، ولا يَعتقدونهم أُمناء بأن تكون خيانتهم ظاهرةَ، بحيث لا يَبقَى للناس اعتمادٌ عليهم، بخلاف من خان بحقير مرّة واحدة، أو نحوها، فإنه يصدُق عليه أنه خان، ولكن لا يخرج به عن الأمانة على الإطلاق.


(١) "المفهم" ١/ ٥٠١ - ٥٠٣. "كتاب الطهارة".
(٢) "فتح" ٧/ ٣٥٣.