للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعن ابن عمر، وابن الزبير - رضي اللَّه عنهما - قالا: يحج من قابل، ويركب ما مشى، ويمشي ما ركب، ونحوه عن ابن عبّاس، وزاد، فقال: ويهُدي. وعن الحسن مثل الأقوال الثلاثة. وعن النخعي روايتان: إحداهما كقول ابن عمر. والثانية كقول ابن عبّاس. وهذا قول مالك. وقال أبو حنيفة: عليه هديٌ، سواء عجز عن المشي، أو قدر عليه، وأقلّ الهدي شاة. وقال الشافعيّ. لا يلزمه مع العجز كفّارة بحال، إلا أن يكون النذر مشيًا إلى بيت اللَّه الحرام، فهل يلزمه هديٌ، فيه قولان. وأما غيره، فلا يلزمه مع العجز شيء. قال: ولنا قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حين قال لأخت عقبة بن عامر لما نذرت المشي إلى بيت اللَّه الحرام: "لتمش، ولتركب، ولتكفّر عن يمينها"، وفي رواية: "ولتصم ثلاثة أيام"، وقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كفّارة النذر كفّارة اليمين". انتهى كلام ابن قُدامة باختصار (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وأما من خوطب بالمشي، فركب لموجب مرض، أو عجز، فيجب عليه الهدي، عند الجمهور، وقال الشافعيّ: لا يجب عليه الهدي، وُيختار له الهدي. وروي عن ابن الزبير أنه لم يجعل عليه هديًا، متمسّكًا بما قررناه من الظاهر. وقد تمسّك الجمهور بزيادة رواها أبو داود، والطحاويّ في حديث عقبة، وهذا لفظه: قال عقبة بن عامر: إنه أتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة، حافيةً، ناشرة شعرها، فقال له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مُرها، فلتركب، ولتختمر، ولتُهد هديًا". وعند أبي داود: بدنة، وليس فيه "ناشرة شعرها"، وزيادة الهدي رواها عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مع عقبة بن عامر ابنُ عبّاس، ورواها عنهما الثقات، فلا سبيل إلى ردّها، وليس سكوت من سكت عنها حجة على من نطق بها، وقد عمل بها من السلف، وغيرهم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه من قال بوجوب الهدي هو الأرجح؛ لصحّة الحديث بذلك، كما سمعته من كلام القرطبيّ، وكما سيأتي أيضًا تحقيقه في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى، وأما حديث: "ولتصم ثلاثة أيام"، فإنه ضعيف، وأما حديث "كفّارة النذر كفّارة يمين" (٣) فسيأتي الكلام فيه في بابه، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الخامسة): قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: لم يَرِد فيما صحّ من الحديث أكثر من هذين اللفظين: "إلى بيت اللَّه"، و"إلى الكعبة"، وألحق العلماء بهما ما في معناهما، مثل أن يقول: إلى مكة، أو ذكر جزءًا من البيت. وهذا قول مالك،


(١) "المغني" ١٣/ ٦٣٥ - ٦٣٦.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦١٧ - ٦١٨.
(٣) حديث صحيح، أخرجه مسلم في "صحيحه".