للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أجرٌ؟ فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أسلمت على ما أسلفت من خير". ثم أخرج بسنده حديث عمر - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب: "نذرت نذرًا في الجاهليّة، ثم أسلمت، فسألت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فأمرني أن أوفي بنذري"، قال: فهذا حكم لا يسع أحدًا الخروج عنه. وأورد أيضًا حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المتفق عليه، قال: بعث النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثُمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد … " وفيه: "أن ثمامة أسلم بعد أن أطلقه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال: يا محمد، واللَّه ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، واللَّه ما كان من دين أبغض إلى من دينك، فأصبح دينك أحد الدين إليّ، واللَّه ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ, وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأمره أن يعتمر … " الحديث.

قال: فهذا كافر خرج يريد العمرة، فأسلم، فأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بإتمام نيّته. قال: وروينا عن طاوس: من نذر في كفره، ثم أسلم، فليوف بنذره، وعن الحسن، وقتادة نحوه، وبهذا قال الشافعيّ، وأبو سليمان -يعني داود الظاهريّ- وأصحابهما. انتهى المقصود من كلام ابن حزم (١).

وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وفي حديث عمر - رضي اللَّه عنه - دليلٌ على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعيّ. وعند الجمهور: لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر - رضي اللَّه عنه - حجة عليهم. وقد أجابوا عنه بأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا عرف أن عمر - صلى اللَّه عليه وسلم - قد تبرع بفعل ذلك أذن له به؛ لأن الاعتكاف طاعة، ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب. وأجاب بعضهم بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمره بالوفاء استحبابًا، لا وجوبًا. وُيردّ بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادّعى عدم الانعقاد. انتهى كلام الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن الصحيح قول من قال بانعقاد نذر الكافر، ووجوب الوفاء عليه بعد إسلامه؛ لما ذكر من الأدلّة الصحيحة الصريحة في الأمر بالوفاء، والمانعون لم يأتوا بحجة مقنعه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٨٤٨ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ عَلَى عُمَرَ نَذْرٌ, فِي اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،


(١) "المحلّى" ٨/ ٢٥ - ٢٦. "كتاب النذور".
(٢) "نيل الأوطار" ٨/ ٢٦٠.