للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وينخلع من ثيابه.

وقوله: "صدقة إلى اللَّه الخ" منصوب على المفعوليّة لأجله، أي لأجل الصدقة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وإلى رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقال في "الفتح": قوله: "صدقةً" هو مصدر في موضع الحال، أي متصدّقًا، أو ضَمَّنَ "أنخلع" معنى أتصدّق، وهو مصدر أيضًا.

وقوله: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خيرٌ لك"، وفي رواية أبي داود، عن كعب أنه قال: إن من توبتي أن أخرج من مالي كلّه إلى اللَّه ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - صدقة، قال: "لا"، قلت: نصفه، قال: "لا"، قلت: فثلثه، قال: "نعم". ولابن مردويه من طريق ابن عيينة، عن الزهريّ، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يجزي عنك من ذلك الثلث". ونحوه لأحمد في قصَّة أبي لبابة - رضي اللَّه عنه - حين قال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي كلّه صدقةً للَّه ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - "يجزي عنك الثلث". انتهى (١).

قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: وفيه أن التقرّب إلى غير اللَّه تعالى في العبادة لا يضرّ بعد أن يكون المقصد الأصليّ التقرّب إلى اللَّه تعالى؛ لأن المتقرّب إلى اللَّه تعالى متقرّب إلى الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - قطعًا، فيتأمل. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في استدلاله على جواز التقرّب إلى غير اللَّه تعالى بهذا الحديث غير واضح.

ثم إن معنى التقرّب إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إن صحّ الاستدلال، أنه لَمّا تصدّق شكرًا لقبول اللَّه تعالى توبته، فقد تقرب إليه به. بتقرّبه إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، بعد أن ابتعد منه بسبب تخلّفه عنه حتى أقصاه - صلى اللَّه عليه وسلم - منه خمسين ليلة، كما هو مشهور في قصَّة، فكان لا يسلّم عليه، ولا يردّ سلامه، ومنع أصحابه - رضي اللَّه عنهم - أن يكلّموه، فهذا هو وجه التقرّب منه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا خفاء في كون هذا تقرّبًا شرعيًّا، وإنما التقرّب المذموم أن يتقرَّب إليه بصرف شيء من العبادة له، كان ينذر له، أو يعتقد فيه ما لا يستحقّه من صفات الربوبيّة، أو الألوهيّة. واللَّه تعالى أعلم.

والحديث متّفقٌ عليه، وقد تقدّم للمصنّف في "كتاب المساجد" -٣٨/ ٧٣١ - "الرخصة في الجلوس فيه، والخروج منه بغير صلاة" "، وتقدّم شرحه مستوفًى، وكذا بيان مسائله، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقوله: "قال أبو عبد الرحمن الخ" أراد -رحمه اللَّه تعالى- أن هذا الحديث رواه الزهريّ عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أبيه، كما في هذا الإسناد، ورواه أيضًا عن


(١) "فتح" ٨/ ٤٦٥. "كتاب المغازي".
(٢) "شرح السندي" ٧/ ٢٢.