للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عوضٌ من واو القسم، وأن معنى قوله: وأيم اللَّه واللَّه لأفعلنّ. ونقل عن ابن عبّاس أن يمين اللَّه من أسماء اللَّه تعالى، ومنه قول امرئ القيس [من الطويل]:

فَقُلتُ يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا … وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي

ومن ثَمّ قال المالكيّة، والحنفيّة: إنه يمين. وعند الشافعيّة: إن نوى اليمين انعقدت، وإن نوى غير اليمين لم ينعقد يمينًا، وإن أطلَقَ فوجهان: أصحّهما لا ينعقد إلا أن ينوي. وعن أحمد روايتان: أصحّهما الانعقاد. وحكى الغزاليّ في معناه وجهين: أحدهما أنه كقولهم: تالله. والثاني: كقوله: أحلف باللَّه، وهو الراجح. ومنهم من سوّى بينه وبين لعمر اللَّه. وفرق الماورديّ بأن لعمر اللَّه شاع في استعمالهم عرفًا، بخلاف أيم اللَّه. واحتجّ بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقًا بأن معناه يمين اللَّه، ويمين اللَّه من صفاته، وصفاته قديمة. وجزم النوويّ في "التهذيب" أن قول وأيم اللَّه، كقوله: وحق اللَّه، وقال: إنه ينعقد به اليمين عند الإطلاق، وقد استغربوه. ويقويه قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وايم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء اللَّه لجاهدوا". واستدلّ من قال بالانعقاد مطلقًا بهذا الحديث. قال الحافظ: ولا حجة فيه إلا على التقدير المتقدّم، وأن معناه: وحقّ اللَّه. انتهى (١).

(لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّه، لَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ) وفي رواية للبخاريّ من طريق ابن سيرين: "لو استثنى، لحملت كلّ امرأة منهنّ، فولدت فارسًا يقاتل في سبيل اللَّه"، وفي رواية طاوس: "لو قال: إن شاء اللَّه لم يَحنث، وكان درَكًا لحاجته"، وفي رواية: "وكان أرجى لحاجته". وقوله: "دَرَكًا" بفتحتين: اسم من الإدراك، وهو كقوله تعالى: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} [طه: ٧٧]: أي لَحاقًا، والمراد أنه يحصل له ما طلب، ولا يلزم من إخباره - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك في حقّ سليمان في هذه القصّة أن يقع ذلك لكلّ من استثنى في أمنيّته، بل في الاستثناء رجوّ الوقوع، وفي ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع، وبهذا يجاب عن قول موسى للخضر - عليهما السلام -: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: ٦٩] مع قول الخضر له آخزا: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨٢]. قاله في "الفتح" (٢).

وقال في موضع آخرة ما نصّه: وقد قيل: هو خاصّ بسليمان - عليه السلام -، وأنه لو قال في هذه الواقعة: "إن شاء اللَّه"، حصل مقصوده، وليس المراد أن كلّ من قالها وقع ما


(١) "فتح" ١٣/ ٣٦٧ - ٣٦٩. "كتاب الأيمان والنذور".
(٢) "فتح" ٧/ ١٢٩ "كتاب أحاديث الأنبياء".