للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ولو ثبتت الزيادة (١) لكانت مبيّنة لما أُجمل فيه.

واحتجّ بعض الحنابلة (٢) بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة، ولا يُحفظ عن صحابيّ خلافه، قال: والقياس يقتضيه؛ لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة - رضي اللَّه عنه - لما نذرت أخته أن تحج ماشيةً: "لتكفّر عن يمينها" (٣)، فسقى النذر يمينًا، ومن حيث النظر هو عقدة للَّه تعالى بالتزام شيء، والحالف عقد يمينه باللَّه ملتزمًا بشيء، ثم بين أن النذر آكد من اليمين، ورتّب عليه أنه لو نذر معصيةً، ففعلها لم تسقط عنه الكفّارة، بخلاف الحالف، وهو وجه للحنابلة، واحتجّ له لأن الشارع نهى عن المعصية، وأمر بالكفّارة، فتعيّنت. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله فقهاء أصحاب الحديث من حملهم قوله في: "كفّارة النذر كفّارة يمين" على عمومه هو الحقّ؛ لعدم ثبوت تلك الزيادة التي اعتمد عليها من قيد عموم "كفّارة النذر كفّارة اليمين" بشي مما تقدّم، فدلّ على أن من نذر مخيّر بين الوفاء بما التزم، وبين كفّارة اليمين، فتنبّه.

هذا فيما إذا كان النذر نذر طاعة، أما إذا كان نذر معصية، فلا وفاء أصلاً، بل تجب الكفّارة؛ لحديث عائشة - رضي اللَّه عنها -، مرفوعًا: "لا نذر في معصية، وكفّارتها كفّارة اليمين"، وسيأتي أنه صحيح، ويؤيّده عموم حديث عقبة - رضي اللَّه عنه - المذكور هنا: "كفارة النذر كفّارة اليمين"، وهو صحيح أيضًا.

والحاصل أن الراجح مذهب من أوجب الكفّارة في النذر مطلقًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٨٦٠ - (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ, عَنِ الزُّبَيْدِيِّ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير أنه منقطع، و"الزُّبيديّ": هو محمد بن الوليد الحمصيّ، والثلاثة الأولون حمصويّون، والآخرون مدنيّون.

والحديث ضعيفٌ للانقطاع بين الزهريّ، وبين القاسم؛ لكنه يصحّ بما يأتي قريبًا،


(١) أي زيادة "إذا لم يُسمّ"، وقد عرفت أنها غير ثابتة، فلا تغفل.
(٢) الظاهر أنه أراد به ابن قُدامة، فإن هذا الكلام تقدّم أن نقلناه عنه. واللَّه تعالى أعلم.
(٣) تقدم أنه ضعيف بهذا اللفظ.
(٤) "فتح" ١٣/ ٤٤٧. "كتاب الأيمان والنذور- باب النذ فيما لا يملك، وفي معصية".