قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا السند هو السند الماضي، إلى ابن جريج، و"عطاء": هو ابن أبي رباح.
وقوله:"قلت لعطاء: عبد أؤاجره سنة بطعام وسنة أخرى بكذا وكذا الخ" قال السنديّ. كأنه صوّر المستأجَرَ في المسألة عطاءً، كما يُشير إليه آخر كلام عطاء، وهو قوله:"لا تحاسبني لما مضى"، ومقتضى جوابه أن الإجارة بالطعام عنده جائزة، وقوله:"ويُجزئك الخ"، فإنه لبيان أن السَّنَةَ غير لازمة، وإنما اللازم ما شرطه من الأيام انتهى.
وقوله:"أوَ آجرته" الظاهر أنه بفتح الواو، والهمزة للاستفهام، هو من كلام ابن جريج، كأنه يقول له: وهل يكون هذا إجارة صحيحة، وقد مضى بعض المدّة، فأجابه عطاء بقوله:" إنك لا تحاسبني لما مضى من المدّة، حيث إنه كان على طعامه، وقد استوفاه، وإنما تحاسبه لما تبقّى من المدة، حيث إنه كان بأجرة معلومة.
فقوله: "قال: إنك لا تحاسبني" ضمير "قال" لعطاء، وقال: لا تحاسبني بضمير المتكلّم، كأن عطاء نفسه هو الْمُسْتَأْجَرَ، كما أثار إليه السنديّ في كلامه السابق. هذا ما ظهر لي في حلّ معنى هذا الأثر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
والأثر مقطوع صحيح الإسناد، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا - ١/ ٣٨٨٨ - وفي "الكبرى" ٣/ ٤٦٧٧. واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: مناسبة إيراد هذه الآثار الخمسة في هذا الباب، وإن كانت من مسائل الإجارة، كونها مما يُستَوثق شروطها بالكتابة، كما أن شروط المزارعة تستوثق بكتابتها أيضًا، كما أنه أدخل أيضًا في آخره كتابة الشركة، وتفَرُّقَ الزوجين، وكتابةَ العبد، والتدبير، والعتق، حيث إن كلًّا منهما يُحفَظ في وثائق، ولم يُفرد للإجارة، ولا الشركة، ولا الكتابة، ولا التدبير، ولا العتق كتبا مختصّة بها، بل أوردها ضمن كتاب المزارعة، وبحث عن كيفية كتابة وثائقها, ولعله إيثارًا للاختصار. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".