ثمرتها، والثاني مفسّر للأول؛ لأن ما يخرج منها هو الثمر.
ثم أخبر ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - بأن المزارع كانت تكرى على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على شرط مجهول، وذلك أن يكون لصاحب الأرض ما ينبت على الربيع، وهو النهر الصغير, وعلى طائفة من التبن.
وهذا يخالف قصَّة خيبر، فإنها كانت أجرتها معلومة لا تؤذي إلى تفضيل أحدهما على الآخر، بخلاف هذا، فإنه مما يؤدّي إلى النزاع، وهو الذي كان سبباً للنهي عن المزارعة، كما سبق في حديث زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا جاءه الرجلان، وقد اقتتلا، قال: "إن كان هذا شأنكم، فلا تكروا المزارع ".
لكن هذا يمكن توجيهه بأن يقال: حديث ابن عمر الأخير كان قبل النهي، بدليل الأحاديث الأخرى، كحديث زيد - رضي اللَّه عنه - المذكور، وغيره، فتكون أحاديث الإباحة متأخّرة عن أحاديث النهي، كما تقدّم بيان ذلك، مستوفي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٣٩٥٦ - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ, قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: الأَرْضُ عِنْدِي مِثْلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ, فَمَا صَلُحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ, صَلُحَ فِي الأَرْضِ, وَمَا لَمْ يَصْلُحْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ, لَمْ يَصْلُحْ فِي الأَرْضِ, قَالَ: وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ إِلَى الأَكَّارِ, عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِنَفْسِهِ, وَوَلَدِهِ, وَأَعْوَانِهِ, وَبَقَرِهِ, وَلَا يُنْفِقَ شَيْئًا, وَتَكُونَ النَّفَقَةُ كُلُّهَا مِنْ رَبِّ الأَرْضِ).
رجال هذا الإسناد: أربعة:
١ - (عمرو بن زُرارة) أبو محمد الكلابيّ النيسابوريّ، ثقة ثبت [١٠] ٧/ ٣٦٨.
٢ - (إسماعيل) بن إبراهيم ابن عُليّة البصريّ، ثقة ثبت [٨] ١٨/ ١٩.
٣ - (ابن عون) هو عبد اللَّه بن عون، أبو عون البصريّ، ثقة ثبت فاضل [٥] ٢٩/ ٣٣.
٤ - (محمد) بن سيرين الأنصاريّ مولاهم البصريّ، ثقة ثبت فقيه عابد [٣] ٤٦/ ٥٧. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الأثر
عن عبد اللَّه بن عون أنه (قال: كَانَ مُحَمَّدٌ) بن سيرين الأنصاريّ الإمام المشهور -رحمه اللَّه تعالى- (يَقُولُ: الأَرْضُ) المراد الأرض التي تدفع لمن يعمل فيها مزارعة (عِنْدِي مِثْلُ مَالِ المُضَارَيَةِ) هي في اللغة مفاعلة من الضرب، وهو السير في الأرض للتجارة، وشرعًا دفع مال لمن يتّجر فيه، فيكون له سهم معلوم من الربح. أفاده في "النهاية" (فَمَا صَلُحَ) بفتح اللام، من باب قعد، وصلاحًا أيضًا، وصَلُح بضم اللام لغة،