(عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أنه (قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ) اللام لام الابتداء، دخلت على المبتدإ للتأكيد (مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا) قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: الكلام مسوقٌ لتعظيم القتل، وتهويل أمره، وكيفيّةُ إفادة اللفظ ذلك، هو أن الدنيا عظيمة في نفوس الخلق، فزوالها يكون عندهم عظيمًا، على قدر عظمتها، فهذا قيل: قتلُ المؤمن أعظم منه، أو الزوال أهون من قتل المؤمن يفيد الكلام من تعظيم القتل، وتهويله، وتقبيحه، وتشنيعه ما لا يحيطه الوصف، ولا يتوقّف ذلك على كون الزوال إثمًا، أو ذنبًا، حتّى يقال: إنه ليس بذنب، فكلّ ذنب من جهة كونه ذنبًا أعظم منه، فأيّ تعظيم حصل للقتل يجعله أعظم منه. وإن أُريد بالزوال الإزالة، فإزالة الدنيا يستلزم قتل المؤمنين كلّهم، فكيف يُقال: إن قتل واحد أعظم مما يستلزم قتل الكلّ، وكذا لا يتوقّف على كون الدنيا عظيمة في ذاتها، أو عند اللَّه، حتى يقال: هي لا تساوي جناح بعوضة عند اللَّه، وكلّ شيء أعظم منه، فلا فائدة في القول بأن قتل المؤمن أعظم منه. وقيل: المراد بالمؤمن الكامل الذي يكون عارفا باللَّه تعالى وصفاته، فإنه المقصود من خلق العالم؛ لكونه مظهرًا لآيات اللَّه، وأسراره، وما سواه في هذا العالم الحسّيّ من السموات والأرض مقصود لأجله، ومخلوق ليكون مسكنا له، ومحلًّا لتفكره، فصار زواله أعظم من زوال التابع. انتهى كلام السنديّ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا القول الأخير غير صحيح؛ لأنه مخالف لإطلاق النصّ، فبأي دليل يخالفه، وما ذكره من أن العالم خُلق لأجل المؤمن الكامل، مخالف لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} الآية [البقرة: ٢٩]، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الآية [لقمان: ٢٠] وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} الآية [الجاثية: ١٣] إلى غير ذلك من النصوص التي بيّنت أن السموات والأرض خلقها اللَّه تعالى لخدمة بني آدم عمومًا؛ لأن الخطاب في الآيات المذكورات، وغيرها لجميعهم، لا لخصوص الكامل منهم، فمن أين له أنها خُلقت للمؤمن الكامل، فقط، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بتقليد ذوي الاعتساف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.