(رَبِّ) أصله "ربّي" مضافًا إلى ياء المتكلّم، ثم خُفف بحذفها، استغناءً بالكسرة، وهذا هو الأكثر في الاستعمال، ويجوز "ربّي" بإبقاء الياء ساكنة، ويجوز فيه "رَبَّ" بقلب الياء ألفًا، وحذفها استغناء بالفتحة، ويجوز فيه "ربّا" بقلب الياء ألفًا، والكسرة فتحةً، ويجوز فيه "ربّيَ" بفتح الياء، ويجوز على قلّة ضمّها تشبيهًا بالمفرد، وإلى هذه القاعدة، سوى الأخيرة أشار ابن مالك في "خلاصته" حيث قال:
(سلْ هَذَا) القاتل (فِيمَ قَتَلَنِي؟) ووجه استدلال ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - بالحديث على أن قتل المؤمن عمدًا لا توبة له أن تعلّق المقتول بالقاتل شاخبةً أوداجه يقتضي أن يحكم له على خصمه، وقد تبيّن بالنصوص الأخرى أن القضاء عليه أن يبوء بإثمه، فيكون من أهل النار، كما قصّ اللَّه تعالى ذلك في حكايته نبأ ابني آدم عليه السلام، حيث قال:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}[المائدة: ٢٩]، وكقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - الماضي:"فيبوء بإثمه"، مع أن آية:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية [النساء: ٩٣] ظاهرة في ذلك، كما أشار إليه قوله (ثُمَّ قَالَ) ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - (وَاللَّهِ لَقَدْ أَنزَلَهَا اللَّهُ) أي الآية التي تدلّ على أن قاتل المؤمن عمدًا من أهل النار، وهي قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: ٩٣](ثُمَّ مَا نَسَخَهَا) أي ثم بعد ما أنزلها لم يُنزل اللَّه تعالى ما ينسخ ما تضمّنته، فهي محكمة، غير منسوخة، تدلّ على أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدًا. هذا تقرير رأي ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - في هذه المسألة، وقد خالفه فيها جمهور السلف والخلف، فقالوا: إن له توبة، وإنه تحت المشيئة.
وقد اختلفت الروايات عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، فقال في "الفتح": وَحَاصِل مَا في هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ ابْنِ عَبَّاس كَانَ تَارَة يَجْعَل الآيَتَيْنِ فِي مَحَلّ وَاحِد، فلِذَلِكَ يَجْزِم بِنَسْخِ إِحْدَاهُمَا، وَتَارَة يَجْعَل مَحَلَّهُمَا مُخْتَلِفًا.