للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الحكم. انتهى (١) (دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ) وفي رواية: "دم رجل"، والمراد لا يحلّ إراقة دمه، أي كلّه، وهو كنايةٌ عن قتله، ولو لم يُرق دمه. قاله في "الفتح".

وقال السنديّ: والمرء: الإنسان، أو الذكر، لكن أُريد به هنا الإنسان مطلقًا، أو أريد الذكر، وترك ذكر الأنثى على المقايسة والإتباع، كما هو العادة الجارية في الكتاب والسنّة. انتهى (٢).

وقوله (يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) صفة ثانيةٌ، ذُكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين، أو هي حالٌ مقيّدةٌ للموصوف؛ إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم. وهذا رجحه الطيبيّ، واستشهد بحديث أُسامة - رضي اللَّه تعالى - عنه: "كيف تصنع بلا إله إلا اللَّه".

(إِلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ لِلْإِسْلَامِ، مُفَارِقُ الْجَمَاعَةِ) وفي رواية البخاريّ: "والمفارق لدينه، التارك للجماعة"، قال في "الفتح": كذا فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ، عَنْ الْكُشْمِيهَنِيّ، وَلِلْبَاقِينَ "وَالْمَارِق من الدِّين"، لكنْ عِنْد النَّسَفِيّ، وَالسَّرَخْسِيّ، وَالْمُسْتَمْلِي: "والْمارق لدينه". قال الطَّيبِيُّ: الْمَارِق لدينه: هو التَّارِك له، من الْمروق، وهو الْخروج. وَفي رواية مسلم: "وَالتَّارِك لدينه الْمفارق للجماعة". وله فِي رواية الثَّوْرِيّ: "الْمفَارق للجماعة".

وقد أخرجه مسلم أَيْضًا بَعْده، من طريق شَيْبَانَ بْن عَبْد الرَّحمن، عن الأعمش، ولم يسق لَفْظه، لكن قال: "بِالإسْنَادين جميعا"، ولم يقُل: "وَاَلَّذِي لا إِله غَيْره". وَأَفرده أبو عوانة فِي "صحيحه" من طريق شَيْبَانَ بِاللفظ الْمَذْكُور سواء.

وَالْمُرَاد بِالجماعة جماعة المسلمين، أَي فارقهم، أَوْ تَرَكهم بِالارتدادِ، فهي صفة لـ"التَّارِكِ"، أَو"الْمُفَارِقِ"، لا صِفة مُستقلَّة، وإلا لكانت الخصال أربعا، وهو كقوله قبل ذلكَ: "مُسلم، يَشْهَد أَنْ لا إِله إِلا اللَّه"، فإنها صِفَة مُفَسِّرَة لقوله: "مسلم"، وليست قيدًا فيه، إِذْ لا يكون مُسلمًا إلا بذلكَ.

وَيُؤَيِّد هذا أَنَّهُ وَقَعَ عند المصنّف ١٤/ ٤٠٥٨ - بسند صحيح فِي حَدِيث عُثْمَان - رضي اللَّه تعالى عنه -: "أَوْ يَكْفُر بَعْد إِسْلَامه". وَفِي لَفْظ لَهُ صَحِيح أَيْضًا: "أو ارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه"، وَلَهُ في حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - التالي: "أَوْ كَفَرَ بَعْد إسلامه". وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد النسائيّ (٣): "مُرْتَدّ بَعْد إِيمَان".


(١) "فتح" ١٤/ ١٨٤. "كتاب الديات" رقم ٦٨٧٨.
(٢) "شرح السنديّ" ٧/ ٩١.
(٣) وفي نسخة من "الفتح": "عند الطبرانيّ"، بدل النسائيّ، والظاهر أنه الصواب؛ لأني لم أر عند النسائيّ هذه الرواية. واللَّه تعالى أعلم.