لأنها وضعت لتصديق ما تقدم من غير أن ترفع النفي وتبطله، فإذا قال القائل: ما جاء زيد، ولم يكن قد جاء، وقلت في جوابه: نعم، كان التقدير نعم ما جاء، فصدقت الكلام على نفيه، ولم تبطل النفي، كما تبطله "بلى"، وإن كان قد جاء: قلت في الجواب: بلى، والمعنى: قد جاء، فنعم تبقي النفي على حاله ولا تبطله، وفي التنزيل:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف: ١٧٢] ولو قالوا: نعم كان كفرا، إذ معناه نعم لست بربنا لأنها لا تزيل النفي بخلاف بلى، فإنها للإيجاب بعد النفي. اهـ المصباح ج ٢ ص ٦١٤ والمعنى هنا: نعم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة.
قال الحافظ: ما حاصله أي لكل صلاة مفروضة، زاد الترمذي من طريق حميد، عن أنس "وطاهرًا أو غير طاهر". وظاهره أن تلك كانت عادته، لكن حديث سويد يدل على أن المراد الغالب، قال الطحاوي: يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة، ثم نسخ يوم الفتح، لحديث بريدة، يعني الذي أخرجه مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - "صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد"، وأن عمر سأله، فقال:"عمدا فعلته"، وقال: ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا، ثم خشي أن يظن وجوبه، فتركه لبيان الجواز، قلت: وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر، وهي قبل الفتح بزمان اهـ فتح ج ١ ص ٣٧٨.
قال الجامع عفا الله عنه: وحديث سويد الذي أشار إليه الحافظ هو ما أخرجه البخاري في الطهارة ٥٣/ ١ والمصنف فيه ١٢٤/ ١٨٦، وابن ماجه فيه ٦٦/ ٥، ولفظ البخاري قال:"خرجنا مع رسول الله عام خيبر، حتي إذا كنا بالصهباء صلى لنارسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق، فأكلنا، وشربنا، ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغرب، فمضمض، ثم صلى لنا المغرب، ولم يتوضأ".