أجر له عليها، لكن باقي روايات الحديث تدلّ على أن المراد إذا أبق بقصد اللحاق بدار الحرب؛ إيثارًا لدينهم، ولا يخفى أنه حينئذ، يصير كافرًا، فلا تُقبل له صلاة، ولا تصحّ، لو فُرض أنها صلّاها. قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
وقال النوويّ في "شرح مسلم": أول الإمام المازريّ، وتبعه القاضي عياض -رحمهما اللَّه تعالى- هذا الحديث على أن ذلك محمول على المستحلّ للإباق، فيكفر، ولا تُقبل له صلاة، ولا غيرها، ونبّه بالصلاة على غيرها. وأنكر الشيخ أبو عمرو يعني ابن الصلاح- هذا التأويل، وقال: بل ذلك جارٍ في غير المستحلّ، ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحّة، فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة، فعدم قبولها لهذا الحديث، وذلك لاقترانها بمعصية، وأما صحّتها، فلوجود شروطها، وأركانها المستلزمة صحّتها، ولا تناقض في ذلك، ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب، وأثر الصّحّة في سقوط القضاء، وفي أنه لا يُعاقب عقوبة تارك الصلاة. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو -رحمه اللَّه تعالى-. قال النوويّ: وهو ظاهر لا شكّ في حسنه، وقد قال جماهير أصحابنا: إن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة، لا ثواب فيها، ورأيت في "فتاوى أبي نصر بن الصبّاغ" من أصحابنا التي نقلها عنه ابن أخيه الْقَاضِي أبُو مَنْصُور، قال: الْمَحْفُوظُ مِنْ كَلَام أَصْحَابنا بِالْعِرَاقِ، أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَة، يَسْقُط بِهَا الْفرْض، وَلَا ثَوَاب فِيها. قَالَ أبُو منْصُور: وَرَأَيْت أَصْحَابَنَا بِخُراسَان اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تصِحُّ الصَّلاة. قَالَ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي "الْكَامِل" أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ، ويَحْصُل الثَّوَاب على الْفِعْل، فيَكُون مُثَابًا عَلَى فِعْله، عاصِيًا بِالْمُقامِ فِي الْمَغْصُوب، فَإِذا لَمْ نَمْنَع مِنْ صِحَّتهَا، لَمْ نَمْنَع مِنْ حُصُول الثَّوَاب. قَالَ أبُو مَنْصُور: وهذا هُو الْقِيَاسُ عَلَى طَرِيق مَنْ صَحَّحَهَا. واللَّه أَعْلَم. انتهى كلام النوويّ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي نقله النوويّ هذا من الشيخ أبي عمرو، واستظهره، وحسّنه فيه نظر لا يخفى، بل تأويل المازريّ، والقاضي عياض هو الواضح؛ لأن روايات حديث الباب تدلّ عليه، كقوله:"إلى أرض الشرك"، وقوله:"ولحق بالعدو"، فإن هذا ظاهر في كونه ارتدّ عن الإسلام، وهو رأي المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، حيث أورده في "كتاب المحاربين"، وترجم له بقوله:"العبد إلى أبق إلى أرض الشرك"، فالحقّ أن المراد بالآبق في حديث الباب هو الذي هرب إلى المشركين، ولحق بدار الحرب، فلو فرضنا أنه صلى الصلوات في تلك الحالة، فإنها لا تصحّ.